الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً }

قوله تعالى: { فَأَشَارَتْ }: الإِشارةُ معروفةٌ تكونُ باليد والعين وغير ذلك وألفُها عن ياءٍ. وأنشدوا لكثيِّر:
3230- فقلتُ وفي الأحشاءِ داءٌ مُخامِرٌ   ألا حَبَّذا يا عَزُّ ذاك التَّشايُرُ
قوله: { مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } في " كان " هذه أقوالٌ. أحدُها: أنها زائدةٌ وهو قولُ أبي عبيد، أي: كيف نُكَلِّمُ مَنْ في المهد. و " صَبِيَّا " على هذا نصبٌ على الحالِ من الضمير المستتر في الجارِّ والمجرورِ الواقع صلةً. وقد رَدَّ أبو بكرٍ هذا القولَ - أعني كونَها زائدةً - بأنها لو كانَتْ زائدةً لَما نَصَبَتِ الخبرَ، وهذه قد نصَبتْ " صَبيَّا ". وهذا الردُّ مردودٌ بما ذكرتُه مِنْ نصبِه على الحال لا الخبرِ.

الثاني: أنها تامةٌ بمعنى حَدَث ووُجد. والتقدير: كيف نكلِّم مَنْ وُجْد صبيَّا، و " صَبِيَّاً " حال من الضمير في " كان ".

الثالث: أنها بمعنى صار، أي: كيف نُكَلِّم مَنْ صار في المهد صَبِيَّا، و " صَبِيَّا " على هذا خبرُها، فهو كقوله:
3237-..........................   قَطا الحَزْن قد كانَتْ فِراخاً بُيُوضُها
الرابع: أنها الناقصةُ على بابها مِنْ دلالتِها على اقتران مضمونِ الجملة بالزمان الماضي مِنْ غيرِ تَعَرُّضٍ للانقطاع كقوله تعالى:وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 96]، ولذلك يُعَبِّر عنها بأنها ترادِف " لم تَزَلْ ". قال الزمخشري: " كان " لإِيقاع مضمون الجملة في زمانٍ ماضٍ مبهمٍ صالحٍ للقريبِ والبعيد. وهو هنا لقريبِه خاصةً، والدالُّ عليه معنى الكلام، وأنه مسوقٌ للتعجب. ووجه آخر: وهو أَنْ يكونَ " نُكَلِّمُ " حكاية حالٍ ماضيةٍ، أي: كيف عُهِد قبل عيسى أَنْ يُكَلِّمَ الناسَ صبيَّا في المهد حتى نُكَلِّمَه نحن "؟

وأمَّا " مَنْ " فالظاهرُ أنَّها موصولةٌ بمعنى الذي. ويَضْعُفُ جَعْلُها نكرةً موصوفة، أي: كيف نُكَلِّم شخصاً أو مولوداً. وجَوَّز الفراء والزجاج فيها أَنْ تكون شرطيةً. و " كان " بمعنى " يكنْ " ، وجوابُ الشرطِ: إمَّا متقدِّمٌ وهو " كيف نُكَلِّم " ، أو محذوفٌ لدلالةِ هذا عليه، اي: مَنْ يكنْ في المهدِ صبياً فكيف نُكَلِّمه؟ فهي على هذا مرفوعةُ المحلِّ بالابتداءِ، وعلى ما قبله منصوبتُه بـ " نكلِّم ". وإذا قيل بأنَّ " كان " زائدةٌ. هل تتحمَّل ضميراً أم لا؟ فيه خلاف، ومَنْ جَوَّز استدلَّ بقوله:
3238- فكيف إذا مَرَرْتَ بدارِ قومٍ   وجيرانٍ لنا كانوا كرامِ
فرفع بها الواوَ. ومَنْ منع تأوَّل البيتَ بأنها غيرُ زائدةٍ، وأنَّ خبرَها هو " لنا " قُدِّم عليها، وفُصِل بالجملة بين الصفة والموصوف.

وأبو عمروٍ يُدغم الدالَ في الصاد. والأكثرون على أنه إخفاءٌ.