الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً }

قوله: { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ }: يجوز أَنْ تكونَ الباءُ في " بِجَذْعِ " زائدةً كهي في قولِه تعالى:وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } [البقرة: 195] [وقولِه:]
3222-........................   ...........لا يَقْرَأْن بالسُّوَر
وأنشد الطبري:
3223- بوادٍ يَمانٍ يُنْبِتُ السِّدْرَ صَدْرَه   وأَسْفَلُه بالمَرْخِ واشَّبَهانِ
أي: هُزِّي جِذْعَ النخلةِ. ويجوز أَنْ يكونَ المفعولُ محذوفاً، والجارُّ حالٌ من ذلك المحذوفِ تقديرُه: وهُزِّي إليك رُطَباً كائناً بجذع النخلة. ويجوز أن يكونَ هذا محمولاً على المعنى؛ إذِ التقدير: هُزِّي الثمرةَ بسبب هَزِّ الجِذْع، أي: انفُضِي الجِذْع. وإليه نحا الزمخشري فإنه قال: " أو افْعَلي الهَزَّ كقولِه:
3224-.......................   ... يَجْرَحْ في عراقيبِها نَصْلي
قال الشيخ: " وفي هذه الآيةِ وفي قولِه تعالى:وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } [القصص: 32] ما يَرُدُّ على القاعدةِ المقررةِ في علم النحو: من أنَّه لا يتعدَّى فعلُ المضمرِ المتصل إلى ضميره المتصلِ إلا في باب ظنٍّ، وفي لفظَتَيْ فَقَد وعَدِمَ، لا يُقالُ: ضَرَبْتَكَ ولاَ ضَرَبْتُني، أي: ضربْتَ أنت نفسَك وضربْتُ أنا نفسي، وإنما يُؤْتى في هذا بالنفس، وحكمُ المجرورِ بالحرفِ حكمُ المنصوبِ فلا يقال: هَزَزْتَ إليك، ولا زيدٌ هَزَّ إليه، ولذلك جَعَلَ النحويون " عن " و " على " اسْمَيْن في قولِ امرِئ القيس:
3225- دَعْ عنك نَهْباً صِيْحَ في حُجُراتِه   ولكنْ حَديثاً ما حديثُ الرواحلِ
وقول الآخر:
3226- هَوَّنْ عليكَ فإنَّ الأمورَ   بِكَفِّ الإِلهِ مقادِيْرُها
وقد ثبت بذلك كونُهما اسمين لدخولِ حرفِ الجر عليهما في قوله:
3227- غَدَتْ مِنْ عليهِ بعدما تَمَّ ظِمْؤُها   تَصِلُّ وعن قَيْضٍ ببَيْداءَ مَجْهَلِ
وقولِ الآخر:
3228- فقُلْتُ للرَّكْبِ لَمَّا أَنْ عَلا بِهِمْ   مِنْ عَنْ يمينِ الحُبيَّا نظرةٌ قَبْلُ
وإمَّا " إلى " فحرفٌ بلا خلافٍ، فلا يمكنُ فيها أَنْ تكونَ اسماً كـ " عَنْ " و " على ". ثم أجاب: بأنَّ " إليك " في الآيتين لا تتعلَّقُ بالفعلِ قبله، إنما تتعلَّقُ بمحذوفٍ على جهةِ البيان تقديرُه: أَعْني إليك ". قال: " كما تَأَوَّلوا ذلك في قولِه:لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 21] في أحد الأوجه ".

قلت: وفي ذلك جوابان آخران، أحدهما: أن الفعلَ الممنوعَ إلى الضمير المتصل إنما هو حيث يكون الفعلُ واقعاً بذلك الضمير، والضميرُ مَحَلٌّ له نحو: " دَعْ عنك " " وهَوِّنْ عليك " وأمَّا الهَزُّ والضَّمُّ فليسا واقعين بالكاف فلا محذورَ. والثاني: أنَّ الكلامَ على حذفِ مضافٍ تقديره: هُزِّي إلى جهتِكِ ونحوك، واضمُمْ إلى جهتِك ونحوك.

قوله: " تُساقِطْ " قرأ حمزة " تَسَاقَطْ " بفتح التاء وتخفيفِ السين وفتح القاف. والباقون - غيرَ حفصٍ - كذلك إلا أنَّهم شَدَّدوا السين، وحفص بضم التاء وتخفيفِ السين وكسر القاف.

فأصلُ قراءةِ غيرِ حفص " تَتَساقط " بتاءين، مضارعَ " تساقَطَ " فحذف حمزةُ إحدى التاءين تخفيفاً نحو: " تَنَزَّلٌ " و " تَذَكَّرون " ، والباقون أدغموا التاءَ في السِّيْن.

السابقالتالي
2