الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً }

قوله: { فَأَجَآءَهَا }: الأصلُ في " جاء " أَنْ يتعدَّى لواحدٍ بنفسه، فإذا دَخَلَتْ عليه الهمزةُ كان القياسُ يقتضي تَعَدِّيَه لاثنين. قال الزمخشري: " إلا أنَّ استعمالَه قد تغيَّر بعد النقلِ إلى معنى الإِلْجاء، ألا تراكَ لا تقول: جِئْتُ المكانَ وأَجَاْءَنْيهِ زيدٌ، كما تقول: بَلَغْتُه وأَبْلَغَنِيْه، ونظيرُه " آتى " حيث لم يُستعمل إلا في الإِعطاء ولم تَقُلْ: أتيت المكانَ وآتانِيه فلان ". وقال أبو البقاء: الأصلُ " جاءها " ثم عُدِّيَ بالهمزة إلى مفعولٍ ثانٍ، واسْتُعمل بمعنى أَلْجَأَها ".

قال الشيخ: " قوله وقولُ [غيرِه]: إنَّ " أجاءها " بمعنى أَلْجَأَها يحتاج إلى نَقْلِ أئمةِ اللغة المستقرئين لذلك مِنْ لسانِ العرب. والإِجاءةُ تدلُّ على المُطلق، فَتَصْلُح لِما هو بمعنى الإِلجاءِ ولِما هو بمعنى الاختيار، كما تقول: " أَقَمْتُ زيداً " فإنه يَصْلُحُ أَنْ تكونَ إقامتُك له قَسْراً أو اختياراً. وأمَّا قوله: " ألا ترك لا تقول " إلى آخره فَمَنْ رَأَى أنَّ التعديةَ بالهمزة قياسٌ أجاز ذلك وإنْ لم يُسْمَعْ، ومَنْ منع فقد سُمِع ذلك في " جاء " فيُجيز ذلك. وأمَّا تنظيرُه ذلك بـ " آتى " فليس تنظيراً صحيحاً؛ لأنَّه بناه على أنَّ همزتَه للتعديةِ، وأنَّ أصلَه " أتى " ، بل " آتى " ممَّا بُني على أَفْعَل، ولو كان منقولاً مِنْ " آتى " المتعدِّي لواحد لكان ذلك الواحدُ هو المفعولَ الثاني، والفاعلُ هو الأولُ، إذا عَدَّيْتَه بالهمزةِ تقولُ: " أتى المالُ زيداً " و " آتى عمروٌ زيداً المالَ " فيختلف التركيب بالتعدية لأنَّ " زيداً " عند النحويين هو المفعولُ الأول، و " المالُ " هو المفعولُ الثاني، وعلى ما ذكره الزمخشري كان يكون العكس، فَدَلَّ على أنَّه ليس على ما قاله، وأيضاً فآتى مُرادِفٌ لأَعْطَى، فهو مخالِفٌ من حيث الدَّلالةُ في المعنى. وقوله: " ولم تَقُلْ: أتيت المكانَ وآتانِيْه " هذا غيرُ مُسَلَّمٍ بل تقول: " أتيتُ المكانَ " كما تقول: " جئت المكان ". وقال الشاعر:
3219- أَتَوْا ناري فقلتُ مَنُوَّنَ أنتُمْ   فقالوا: الجنُّ قلتُ عِمُوا ظَلاما
ومَنْ رأى التعديةَ بالهمزةِ قياساً، قال: " آتانيه " , وهذه الأبحاثُ التي ذكرها الشيخُ معه ظاهرُه الأجوبة، فلا نُطَوِّلُ بذِكْرِها.

وقرأ الجمهورُ " فَأَجَاْءَها " ، أي: أَلْجأها وساقَها، ومنه قولُه:
3220- وجارٍ سارَ مُعْتَمِداً إليكم   أَجَاْءَتْهُ المَخافةُ والرَّجاءُ
وقرأ حَمَّاد بن سَلَمة " فاجَأَها " بألفٍ بعد الفاء وهمزةٍ بعد الجيم، من المفاجأة، بزنة قابَلَها. ويقرأ بألفين صريحتين كأنهم خفَّفوا الهمزةَ بعد الجيمِ، وكذلك رُوِيَت بينَ بينَ.

والجمهور على فتحِ الميم من " المَخاض " وهو وَجَعُ الوِلادةِ.

السابقالتالي
2