الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً }

قوله: { لِمَسَاكِينَ }: العامَّةُ على تخفيفِ السِّين، جمعَ " مِسْكين ". وقرأ عليَّ أميرُ المؤمنين - كرَّم الله وجهَه - بتشديدِها جمع " مَسَّاك ". وفيه قولان، أحدُهما: أنه الذي يُمْسِك سكان السفينة. وفيه بعضُ مناسبة. والثاني: أنه الذي يَدْبَغُ المُسُوك جمعَ " مَسْك " بفتح الميم وهي الجُلود. وهذا بعيدٌ، لقولِه { يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ }. ولا أظنُّها إلا تحريفاً على أمير المؤمنين. و " يَعْملون " صفةٌ لمساكين.

قوله: { وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } " وراء " هنا قيل: يُراد بها المكانُ. وقيلَ: الزمانُ. واخْتُلِف/ أيضاً فيها: هل هي على حقيقتِها أو بمعنى أمام؟ وأنشدوا على هذا الثاني:
3189- اليس ورائي أَنْ أَدِبَّ على العَصا   فَيَأْمَنَ أعدائي ويَسْأَمَني أَهْلي
وقولَ لبيد:
3190- أليس ورائي إنْ تراخَتْ مَنِيَّتي   لُزومُ العَصا تُحْنَى عليها الأصابعُ
وقول سَوَّار بن المُضَرِّبِ السَّعْدي:
3191- أَيَرْجُو بنو مروانَ سَمْعي وطاعتي   وقومي تميمٌ والفلاةُ ورائيا
ومثله قولُه تعالى:مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } [إبراهيم: 16]، أي: بين يديه.

قوله: " غَصْباً " فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه مصدرٌ في موضعِ الحال، أو منصوبٌ على المصدرِ المبيِّنِ لنوعِ الأَخْذِ، أو منصوبٌ على المفعولِ له. وهو بعيدٌ في المعنى. وادَّعى الزمخشري أنَّ في الكلامِ تقديماً وتأخيراً فقال: " فإنْ قلتَ: قولُه " " فَأَرَدْتُ أَنْ أعيبَها " مُسَبَّبٌ عن خوفِ الغَصْبِ عليها فكان حقُّه أن يتأخرَ عن السبب فلِمَ قُدِّم عليه؟ قلت: النيةُ به التأخيرُ، وإنما قُدِّمَ للعنايةِ به، ولأنَّ خَوْفَ الغَصبِ ليس هو السببَ وحدَه، ولكن مع كونِها للمساكينِ، فكان بمنزلةِ قولِك: زيدٌ ظنَِّي مقيمٌ ".