الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً }

قوله: { زاكِيَةً }: قرأ " زاكية " بألفٍ وتخفيفِ الياءِ نافعٌ وابنُ كثير وابو عمرو. وبدون الألف وتشديد الياء الباقون. فَمَنْ قَرَأ " زاكية " فهو أسمُ فاعلٍ على أصلِه. ومَنْ قرأ " زَكِيَّة " فقد أخرجه إلى فَعِيلة للمبالغة.

والغُلام: مَنْ لم يَبْلُغْ. وقد يُطْلق على البالغِ الكبيرِ. فقيل: مجازاً باعتبارِ ما كان. ومنه قولُ ليلى:
3181- شَفاها مِنَ الدَّاءِ الذي قد أصابها   غُلامٌ إذا هَزَّ القناةَ شَفاها
وقال آخر:
3182- تَلَقَّ ذُبابَ السَّيْفِ عني فإنني   غلامٌ إذا هُوجِيْتُ لَسْتُ بشاعرِ
وقيل: بل هو حقيقةٌ لأنه مِن الإِغلام وهو السَّبْق، وذلك إنما يكونُ في الإِنسانِ المحتلِمِ. وقد تقدَّم ترتيبُ أسماءِ الآدمي مِنْ لَدُن هو جنينٌ إلى أن يضير شيخاً ولله الحمد/.

قال الزمخشري: " فإن قلت: لِمَ قيل: " حتى إذا رَكِبا في السفينةِ خَرَقَها " بغير فاءٍ، و " حتى إذا لَقِيا غلاماً فَقَتَله " بالفاء؟ قلت " جَعَل " خَرَقَها " جزاءً للشرطِ، وجَعَل " قَتَله " من جملةِ الشرط معطوفاً عليه، والجزاءُ " قال: أَقْتَلْتَ ". فإنْ قلت: لِمَ خُولف بينهما؟ قلت: لأنَّ الخَرْقَ لم يتعقَّبِ الركوبَ، وقد تعقَّبَ القتلُ لقاءَ الغلامِ ".

قوله: { بِغَيْرِ نَفْسٍ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: انها متعلقةٌ بـ " قَتَلْتَ ". الثاني: أنها متعلقةٌ بمحذوفٍ على أنها حالٌ مِنَ الفاعلِ أو من المفعولِ، أي: قَتَلْتَه ظالماً أو مظلوماً، كذا قَدَّرَه أبو البقاء. وهو بعيدٌ جداً. الثالث: أنها صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: قَتْلاً بغيرِ نفسٍ.

قوله: " نُكْراً " قرأ نافع وأبو بكر وابن ذكوان بضمتين، والباقون بضمة وسكون. وهما لغتان، أو أحدهما أصل. و " شيئاً ": يجوز أن يُراد به المصدرُ، أي: مَجيئاً نُكْرا، وأن يُراد به المفعولُ به، أي: جِئْتَ أمراً مُنْكَراً. وهل النُّكْرُ أَبْلَغُ من الإِمر أو بالعكس. فقيل: الإِمْرُ أبلغُ؛ لأنَّ قَتْلَ أَنْفُسٍ بسبب الخَرْقِ أعظمُ مِنْ قَتْل نفسٍ واحدة. وقيل: بل النُّكْر أبلغُ لأن معه القَتْلَ الحَتْمَ، بخلاف خَرْقِ السفينة فإنه يمكن تدارُكُه، ولذلك قال: " ألم أَقُلْ لك " ولم يأتِ بـ " لك " مع " إمراً ".