الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }

قوله: { مِن كُلِّ مَثَلٍ }: يجوز أَنْ يكونَ " مِنْ كلِّ " صفةً لموصوفٍ محذوفٍ، وهو مفعولٌ " صَرَّفنا " ، أي: صَرَّفنا مَثَلاً مِنْ كلِّ مَثَل. ويجوز أَنْ تكونَ " مِنْ " مزيدةً على رَأْيِ الأخفش والكوفيين.

قوله: " جَدَلاً " منصوبٌ على التمييز. وقوله: " أكثرَ شيءٍ " ، أي: أكثر الأشياء التي يتاتَّى منها الجِدال إنْ فَصَّلْتها واحداً واحداً، يعني أنَّ الإِنسانَ أكثرُ جدلاً مِنْ كلِّ شيءٍ يُجادل، فَوَضَعَ " شيءٍ " مَوْضِعَ الأشياء. وهل يجوزُ أَنْ يكونَ جَدَلاً منقولاً مِنْ اسم كان إذ الأصل: وكان جَدَلُ الإِنسانِ أكثرَ شيء؟ فيه نظرٌ. وكلامُ أبي البقاء مُشْعِرٌ بجوازِهِ فإنه قال: " فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ شيئاً هنا في معنى مُجادِل؛ لأنَّ أَفْعل يُضافٌ إلى ما هو بعضٌ له، وتمييزُه بـ " جَدَلاً " يَقْتَضي أَنْ يكونَ الأكثرَ مُجادلاً. وهذا مِنْ وَضْعِ العامِّ موضعَ الخاصِّ. والثاني: أنَّ في الكلام محذوفاً تقديره: وكان جَدَلُ الإِنسانِ أكثرَ شيءٍ، ثم مَيَّزه ". فقوله: " تقديرُه: وكان جَدَلُ الإِنسانِ " يفيد أنَّ إسنادَ " كان " إلى الجَدَلِ جائزٌ إلى الجملة، إلا أنه لا بُدَّ من تتميمٍ لذلك: وهو أَنْ تَتَجَوَّزَ فتجعَلَ للجَدَلِ جَدَلاً كقولِهِم: " شِعْرٌ شاعرٌ " يعني أنَّ لجدل الإِنسانِ جَدَلاً وهو أكثرُ من جَدَلَِ سائرِ الأشياءِ.