الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً }

قوله: { صَفَّاً }: حالٌ من مرفوعِ " عُرِضوا " وأصلُه المصدرية. يُقال منه: صَفَّ يَصِفُّ صَفًّاً، ثم يُطْلَقُ على الجماعة المُصطَفِّين. واخْتُلَِف هنا في " صَفَّاً ": هل هو مفردٌ وقع مَوْقع الجمعِ، إذ المرادُ صفوفاًَ، ويَدُلُّ عليه الحديث الصحيح: " يَجْمَع اللهُ الأوَّلين والآخرين في صَعيدٍ واحدٍ صُفوفاً " وفي حديث آخر: " أهل الجنةِ مئةٌ وعشرون صَفَّاً، أنتم منهم ثمانون " وقيل: ثَمَّ حَذْفٌ، أي: صَفَّاً صَفَّاً. ومثلُه قولُه في موضع:وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [الفجر: 22]. وقال في آخرَ:يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً } [النبأ: 38] يريد: صفاً صفاً، بدليل الآيةِ الأخرى فكذلك هنا. وقيل: بل كلُّ الخلائقِ يكونون صفاً واحداً، وهو أبلغُ في القُدرة. وأمَّا الحديثان فيُحملان على اختلافِ أحوال، لأنه يومٌ طويلٌ كما شهد له بقولِهكَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [المعارج: 4] فتارةً يكونون فيه صَفَّاً واحداً وتارةً صفوفاً.

قوله: { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا } على إضمارِ قولٍ، أي: وقُلْنا لهم: كيت وكيت. وتقدَّم أنَّ هذا القولَ هو العاملُ فيوَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ } [الكهف: 47]. ويجوز ان يُضمر هذا القولُ حالاً من مرفوعِ " عُرِضُوا " ، أي: عُرِضُوا مَقُولاً لهم كذا.

قوله: { كَمَا خَلَقْنَاكُمْ } ، أي: مجيئاً مُشْبِهاً لخلقِكم الأول حفاةً عُراة غُرْلاً، لا مالَ ولا ولدَ معكم. وقال الزمخشري: " لقد بَعَثْناكم كما أَنْشَأْناكم أولَ مرة " فعلى هذين التقديرين، يكونُ نعتاً للمصدرِ المحذوفِ، وعلى رأي سيبويه يكون حالاً مِنْ ضميرِه.

قوله: { أَلَّن نَّجْعَلَ } " أَنْ " هي المخففةُ، وفُصِل بينها وبين خبرِها لكونِه جملةً متصرفةً غيرَ دعاءٍ بحرفِ النفي. و " لكم " يجوز أن يكونَ مفعولاً ثانياً للجعل بمعنى التصيير. و " مَوْعِداً " هو الأول. ويجوز أَنْ يكونَ مُعَلَّقاً بالجَعْل، أو يكونَ حالاً مِنْ " مَوْعداً " إذا لم يُجعل الجَعْلُ تصييراً، بل بمعنى لمجردِ الإِيجاد.

و " بل " في قولِه: " بل زَعَمْتُمْ " لمجردِ الانتقال من غيرِ إبطالٍ.