الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً }

قوله: { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ }: " يومَ " منصوبٌ بقولٍ مضمرٍ بعده تقديرُه: نقول لهم نُسَيِّر الجبال: لقد جِئْتمونا. وقيل: بإضمار اذكر. وقيل: هو معطوفٌ على " عند ربك " فيكونُ معمولاً لقولِه " خيرٌ ".

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضمِّ التاء وفتح الياء مبنياً للمفعول. " الجبالُ " بالرفع لقيامِه مَقامَ الفاعل، وحَذَفَ الفاعلَ للعِلْمِ به وهو الله، أو مَنْ يأمرُه من الملائكة. وهذه القراءةُ موافقةٌ لِما اتُّفق عليه في قولهوَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ } [النبأ: 20]،ويؤيِّدها قراءةُ عبدِ الله هنا { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ } فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول.

والباقون " نُسَيِّر " بنون العظمة، والياءُ مكسورةٌ مِنْ " سَيَّر " بالتشديد؛ " الجبالَ " بالنصب على المفعول به، وهذه القراءةُ مناسِبةٌ لِما بعدها مِنْ قولِه { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ }.

وقأ الحسنُ كقراءةِ/ ابنِ كثير ومَنْ ذُكِرَ معه إلا أنه بالياءِ مِنْ تحتُ لأنَّ التأنيثَ مجازيٌّ. وقرأ ابن محيصن، ورواها محبوبٌ عن أبي عمرو: " تَسِيْر " بفتحِ التاءِ من فوقُ ساكن الياء مِنْ سارَتْ تسيرُ، و " الجبالُ " بالرفع على الفاعليةِ.

قوله: { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } " بارزةً " حالٌ؛ إذ الرؤيةُ بَصَريةٌ. وقرأ عيسى " وتُرى الأرضُ " مبنياً للمفعول، و " الأرضُ " قائمةٌ مقامَ الفاعل.

قوله: " وحَشَرْناهم " فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه ماضٍ مُرادٌ به، المستقبلُ، أي: ونَحْشُرهم، وكذلكوَعُرِضُواْ } [الكهف: 48]وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ } [الكهف: 49]. والثاني: أن تكونَ الواوُ للحالِ، والجملةُ في محلِّ النصب، أي: نفعل التسييرَ في حال حَشْرِهم ليشاهدوا تلك الأهوالَ. والثالث: قال الزمخشري: " فإن قلتَ: لِمَ جِيْءَ بـ " حَشَرْناهم " ماضياً بعد " نُسَيِّر " و " تَرَى "؟ قلت: للدلالة على أنَّ حَشْرَهم قبل التَّسْييرِ وقبل البروزِ ليعاينوا تلك الأهوالَ العِظامَ، كأنه قيل: وحَشَرناهم قبل ذلك ".

قال الشيخ: " والأَوْلَى أَنْ تكونَ الواوُ للحال " فَذَكَرَ نحواً ممَّا قدَّمْتُه.

قوله: " فلم نغادِر " عطفٌ على " حَشَرْناهم " فإنه ماضٍ معنى. والمغادَرَةُ هنا: بمعن الغَذْر وهو الترك، أي: فلم نتركْ. والمفاعلةُ هنا ليس فيها مشاركةٌ. وسُمِّيَ الغَدْرُ غَدْراً لأنَّ به تُرِكَ الوفاءُ. وغَديرُ الماء مِنْ ذلك لأنَّ السيلَ غادَرَه، أي: تَرَكَه فلم يَجِئْهُ أو ترك فيه الماءَ، ويُجْمع على " غُدُر " و " غُدْران " كَرغِيف ورُغْفان، واسْتَغْدَرَ الغَدِيرَ: صار فيه الماء. والغَدِيْرة: الشَّعْرُ الذي تُرِكَ حتى طالَ. والجمع غَدائِر. قال امرؤ القيس:
3168- غَدائِرُه مُسْتَشْزِراتٌ إلى العُلا   .............................
وقرأ قتادة " فلم تُغادِرْ " بالتاءِ من فوقُ، والفاعلُ ضميرُ الأرض،ِ أو الغَدْرَةِ المفهومةِ من السياق. وأبان " يُغادَرْ " مبنياً للمفعول، " أحدٌ " بالرفع. والضحاك: " نُغْدِرْ " بضم النونِ وسكونِ العينِ وكسرِ الدالِ مِنْ " أَغْدَرَ بمعنى غَدَرَ.