الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً }

قوله: { كَمَآءٍ }: فيه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أن تكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ، فقدَّره ابنُ عطية هي: أي: الحياة الدنيا. والثاني: أنه متعلقٌ بمعنى المصدر، أي: ضرباً كماء. قاله الحوفي. وهذا بناءً منهما على أن " ضَرَب " هذه متعديةٌ لواحدٍ فقط. والثالث: أنه في موضعِ المفعول الثاني لـ " اضْرِبْ " لأنها بمعنى صَيَّرَ. وقد تقدَّم.

قال الشيخ بعدما نقل قولَيْ ابن عطية والحوفي: " وأقولُ: إنَّ " كماء " في موضعِ المفعولِ الثاني لقولِه " واضربْ " ، أي: وصَيِّرْ لهم مَثَلَ الحياة، أي: صفتَها شبهَ ماء ". قلت: وهذا قد سبقه إليه أبو البقاء.

و " أَنْزَلَناه " صفةٌ لـ " ماء ".

قوله: { فَٱخْتَلَطَ بِهِ } يجوز في هذه الباءِ وجهان أحدهما: أن تكونَ سببيةً. الثاني: أَنْ تكونَ معدِّية. قاله الزمخشري: " فالتفَّ بسببِه وتكاثف حتى خالط بعضُه بعضاً. وقيل: نَجَعَ الماءُ في النبات حتى رَوِيَ ورَفَّ رَفِيْفاً. وكان حقُّ اللفظِ على هذا التفسيرِ: فاختلط بنباتِ الأرضِ. ووجه صحتِه: أنَّ كلَّ مختلطَيْنِ موصوفٌ كلُّ واحدٍ منهما بصفةِ الآخرَ ".

قوله: { فَأَصْبَحَ هَشِيماً } " أصبح " يجوزُ أَنْ تكونَ على بابِها؛ فإنَّ أكثرَ ما يَطْرُقُ مِن الآفاتِ صباحاً، كقولِه:فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } [الكهف: 42] ويجوز أَنْ تكونَ بمعنى صار مِنْ غير تقيُّدٍ بصَباحٍ كقوله:
3167- أَصْبَحْتُ لا أَحْمِلُ السلاحَ ولا   اَمْلِكُ رَأْسَ البعيرِ إنْ نَفَرا
والهَشِيمُ: واحدُه هَشِيْمَة وهو اليابس. وقال الزجاج وابن قتيبة: كل ما كان رطباً فَيَبِسَ. ومنهكَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } [القمر: 31]. ومنه: هَشَمْتُ الفتَّ. ويقال: هَشَمَ الثَّريدَ: إذا فَتَّه.

قوله: " تَذْرُوْه " صفةٌ لـ " هَشيماً " والذَّرْوُ: التفريقُ، وقيل: الرفْعُ.

قوله: " تَذَرُوْه " بالواو. وقرأ عبد الله " تَذْرِيه " من االذَّرْي، ففي لامه لغتان: الواوُ والياءُ. وقرأ ابنُ عباس " تُذْرِيه " بضم التاء من الإِذْراء. وهذه تحتمل أَنْ تكونَ من الذَّروِ وأَنْ تكونَ من الذَّرْيِ. والعامَّةُ على " الرياح " جمعاً. وزيد بن علي والحسن والنخعي في آخرين " الرِّيحُ " بالإِفراد.