الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً }

قوله: { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ }: يجوز أَنْ يكونَ الكلامُ تَمَّ على قوله " منتصراً " وهذه جملةٌ منقطعةٌ عمَّا قبلَها، وعلى هذا فيجوز في الكلامِ أوجهٌ، أحدُها: أَنْ يكونَ " هنالك الوَلايةُ " مقدَّراً بجملةٍ فعليةٍ، فالولايةُ فاعلٌ بالظرف قبلها، أي: استقرَّتِ الولايةُ لله، و " لله " متعلقٌ بالاستقرار، أو بنفسِ الظرفِ لقيامِه مَقامَ العاملِ أو بنفسِ الوَلاية، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " الولاية " ، وهذا إنما يتأتَّى على رَأْيِ الأخفش من حيث إنَّ الظرفَ يرفعُ الفاعلَ مِنْ غيرِ اعتماد.

والثاني: أَنْ يكونَ " هنالك " منصوباً على الظرف متعلقاً بخبر " الولاية " وهو " لله " أو بما تعلَّق به " لله " أو بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ منها، والعاملُ الاستقرار في " لله " عند مَنْ يُجيز تقدُّمَ الحالِ على عاملِها المعنويِّ، أو يتعلَّق بنفس " الولاية ".

والثالث: أَنْ يُجْعَلَ " هنالك " هو الخبر، و " لله " فَضْلةٌ، والعاملُ فيه ما تقدَّم في الوجه الأول.

ويجوز أن يكونَ " هنالك " مِنْ تتمة ما قبلها فلم يَتِمَّ الكلامُ دونَه، وهو معمولٌ لـ " منتصِراً " ، أي: وما كان منتصراً في الدار الآخرة، و " هنالك " إشارةٌ إليها. وإليه نحا أبو إسحاق. وعلى هذا فيكون الوقفُ على " هنالِك " تامَّاً، والابتداءُ بقولِه " الوَلايةُ لله " فتكونُ جملةً مِنْ مبتدأ وخبر.

والظاهرُ في " هنالك ": أنَّه على موضوعِه مِنْ ظرفيةِ المكان كما تقدَّم معناه. وتقدَّم أنَّ الأَخَوين يَقْرآن " الوِلاية " بالكسرِ، والفرقُ بينها وبين قراءةِ الباقين بالفتح في سورة الأنفال فلا معنى لإِعادتِه.

وحُكي عن أبي عمروٍ والأصمعيِّ أنَّ كسرَ الواوِ هنا لحنٌ. قالا: لأنَّ فِعالة إنما تجيءُ فيما كان صنعةً أو معنى متقلداً، وليس هناك تَوَلِّي أمورٍ.

قوله: " الحق " قرأ أبو عمروٍ والكسائيُّ برفع " الحقُّ " والباقون بجرِّه، والرفعُ، من ثلاثةِ أوجهٍ، أحدُها: أنه صفةٌ للوَلاية. الثاني: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هو، أي: ما أَوْحيناه إليك. الثالث: أنه مبتدأٌ، وخبرُه مضمرٌ، أي: الحقُّ ذلك. وهو ما قُلْناه.

والجرُّ على أنه صفةٌ للجلالةِ الكريمة.

وقرأ زيدُ بن علي وأبو حيوة وعمرو بن عبيد ويعقوب " الحقَّ " نصباً على المصدرِ المؤكِّد لمضمونِ الجملة كقولك: هذا عبدُ اللهِ الحقَّ لا الباطلَ ".

قوله: " عُقباً " عاصمٌ وحمزةُ بسكونِ القافِ، والباقون بضمها. فقيل: لغتان كالقُدُس والقُدْس. وقيل: الأصل الضمُّ، والسكونُ تخفيفٌ. وقيل: بالعكس كالعُسْر واليُسْر، وهو عكسُ معهودِ اللغةِ. ونصبُها ونصبُ " ثواباً " و " أملاً " على التمييز لأفعل التفضيل قبلها. ونقل الزمخشري أنه قُرئ " عُقْبى " بالألف وهي مصدرٌ أيضاً كبُشْرى، وتُروى عن عاصم.