الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً }

قوله: { لَّكِنَّ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي }: قرأ ابنُ عامر بإثباتِ الألفِ وَصْلاً ووَقْفاً، والباقون بحذفِها وصلاً وبإثباتها وقفاً. فالوَقْفُ وِفاقٌ.

والأصلُ في هذه الكلمةِ " " لكنْ أنا " فَنَقَلَ حركةَ همزةِ " أنا " إلى نون " لكن " وحَذَفَ الهمزةَ، فالتقى مِثْلان فأدغم. وهذا أحسنُ الوجهين في تخريجِ هذا. وقيل: حَذَفَ همزةَ " أنا " اعتباطاً فالتقى المِثْلان فَأَدْغَمَ، وليس بشيءٍ لجَرْيِ الأولِ على القواعدِ، فالجماعةُ جَرَوْا على مُقْتَضَى قواعدِهم في حَذْفِ اَلِفِ " أنا " وَصْلاً وإثباتِها وَقْفاً، وكان تقدَّم لك: أنَّ نافعاً يُثْبت ألفَه وَصْلاً قبلَ همزةٍ مضمومةٍ أو مكسورة أو مفتوحة بتفصيلٍ مذكورٍ في البقرة، وهنا لم يُصادِفْ همزةً، فهو علىأصلِه أيضاً، ولو أثبتَ الألفَ هنا لكان أقربَ مِنْ إثباتِ غيرِه لأنه أثبتها في الوصلِ في الجملةِ.

وأمَّا ابنُ عامرٍ، فإنه خَرَجَ عن أصلِه في الجملة؛ إذ ليس من مذهبهِ إثباتُ/ هذه الألفِ وَصْلاً في موضعٍ ما، وإنما اتُّبَعَ الرسمَ. وقد تقدَّم أنها لغةُ تميمٍِ أيضاً.

وإعرابُ ذلك: أن يكونَ " أنا " مبتدأ و " هو " مبتدأ ثانٍ، و " هو " ضمير الشأن، و " اللهُ " مبتدأ ثالث. و " ربي " خبر الثالث، والثالث وخبره خبرُ الثاني، والثاني وخبرُه خبر الأول. والرابطُ بين الأولِ وبين خبرِه الياءُ في " ربي ". ويجوز أَنْ تكونَ الجلالةُ بدلاً مِنْ " هو " أو نعتاً أو بياناً إذا جُعِلَ " هو " عائداً على ما تقدَّمَ مِنْ قولِه { بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ } لا على أنَّه ضميرُ الشأنِ، وإن كان أبو البقاء أطلق ذلك، وليس بالبيِّن. ويجوز أَنْ يكونَ " هو " مبتدأً، ومابعده خبرُه، وهو خبرُه خبرُ " لكنَّ ". ويجوز أَنْ يكونَ تأكيداً للاسم، وأَنْ يكونَ فصلاً. ولا يجوزُ أَنْ يكونَ ضميرَ شأنٍ، لأنه حينئذٍ لا عائدَ على اسمِ " لكنَّ " من هذه الجملةِ الواقعةِ خبراً.

وقرأ أبو عمروٍ " لكنَّهْ " بهاءِ السكت وقفاً؛ لأن القَصْدَ بيانُ حركةِ نون " أنا " ، قتارةً تُبَيِّنُ بالألفِ وتارةً بهاءِ السكتِ. وعن حاتم الطائي: " هكذا فَرْدِي أَنَهْ ".

وقال ابنُ عطية عن أبي عمرو: " رَوَى عنه هارون " لكنَّه هو الله " بضمير لَحِقَ " لكن ". قلت: فظاهر هذا أنه ليس بهاءِ السكتِ، بل تكون الهاءُ ضميراً اسماً لـ " لكن " وما بعدها الخبرُ. وخَرَّجه الفارسيُّ على وجهٍ غريبٍ: وهو أَنْ تكونَ " لكنَّا " لكنَّ واسمَها وهو " نا " ، والأصل: " لكنَّنا " فحذف إحدى النونات نحو: { إِنَّا نَحْنُ } وكان حقُّ التركيبِ أن يكون " ربنا " ، " ولا نُشرك بربِّنا " قال: " ولكنه اعتبر المعنى فأفرد ".

السابقالتالي
2