قوله: { جَنَّتَهُ }:/ إنما أفرد بعد ذِكْرِ التثنية اكتفاءً بالواحدِ للعِلْمِ بالحال. قال أبو البقاء: " كما اكْتُفِيَ بالواحدِ عن الجمعِ في قولِ الهُذَليّ:
3161- فالعينُ بعدَهُمُ كأنَّ حِداقَها
سُمِلَتْ بشَوْكٍ فَهْيَ عُورٌ تَدْمَعُ
ولقائلٍ أن يقول: إنما جاز ذلك لأنَّ جمعَ التكسيرِ يجري مَجْرى المؤنثة، فالضمير في " سُمِلَتْ " وفي " فهي " يعود على الحِداق لا على حَدَقة واحدة كما تَوَهَّم. وقال الزمخشري: " فإن قلت: لِمَ أَفْرَدَ الجنَّة بعد التثنية؟ قلت: معناه: ودخل ما هو جنتُه، ماله جنةٌ غيرُها، بمعنى: أنَّه ليس له نصيبٌ في الجنة التي وُعِدَ المتقون. فما ملكه في الدنيا هو جَنَّته لا غير، ولم يَقْصِدْ الجنتين ولا واحدةً منهما ". قال الشيخ: " ولا يُتَصَوَّر ما قال؛ لأنَّ قوله: " ودخل جَنَّته " إخبارٌ من الله تعالى بأنَّ هذا الكافرَ دَخَلَ جَنَّته فلا بُدَّ أَنْ قَصَدَ في الإِخبار أنَّه دَخَلَ إحدى جنتيه إذ لا يمكن أَنْ يَدْخُلَهما معاً في وقتٍ واحد: ". قلت: ومتى أدَّعَى دخولهما في وقتٍ واحدٍ يُلْزِمَه بهذا المستحيل في البداية. وأمَّا قوله " ولم يَقْصِدِ الجنتين ولا واحدةً " معناه لم يَقْصِدْ تعيينَ مفردٍ ولا مثنى لا أنه لم يَقْصِدْ الإِخبارَ بالدخول ". وقال أبو البقاء: " إنما أفْرَدَ لأنهما جميعاً مِلْكُه فصارا كالشيء الواحد ". قوله: " وهو ظالمٌ " حالٌ مِنْ فاعل " دَخَلَ " ، و " لنفسِه " مفعولُ " ظالمٌ " واللام مزيدةٌ فيه لكونِ العامل فرعاً. " قال له صاحبُه " يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً من الضميرِ في " ظالم " ، أي: وهو ظالمٌ في حالِ كونِه قائلاً، ويجوز أن يكونَ مستأنفاً بياناً لسبب الظلمِ، وهو الأحسن. قوله: " أَنْ تبيد " ، أي: تَهْلَكَ، قال:
3162- فَلَئِنْ باد أهلُه
لبِما كان يُوْهَلُ
ويقال: باد يبيدُ بُيُوداً وبَيْدٌودة، مثل " كَيْنُونة " والعملُ فيها معروفٌ وهو أنه حُذِفَت إحدى الياءين، ووزنُها فَيْعَلُولة.