الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ نِعْمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً }

قوله: { مِنْ أَسَاوِرَ }: في " مِنْ " هذه أربعةُ أوجه، أحدُها: أنَّها للابتداءِ. والثاني: أنها للتعيض. والثالث: أنها لبيان الجنسِ، لأي: شيئاً مِنْ أساور. والرابع: أنها زائدةٌ عند الأخفش، ويَدُلُّ عليه قولُه:وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ } [الإِنسان: 21]. ذكر هذه الثلاثةَ الأخيرةَ أبو البقاء.

وأساوِر جمع أَسْوِرة، وأَسْوِرة جمعُ سِوار، كحِمار وأَحْمِرة، فهو جمعُ الجمع. جمع إسْوار. وأنشد:
3153- واللهِ لولا صِبْيَةٌ صِغارُ   كأنَّما وجوهُهمْ أَقْمارُ
- أخافُ أَنْ يُصِيبهم إقتارُ   أو لاطِمٌ ليسَ له إسْوارُ
- لمَّا رآني مَلِكٌ جَبَّارُ   ببابِه ما طَلَعَ النَّهارُ
وقال أبو عبيدة: " هو جمعُ " إسوار " على حذف الزيادة، وأصله أساوِيرْ.

وقرأ أبان بن عاصم " أَسْوِرة " جمعَ سِوار وستأتي إنْ شاء الله تعالى في الزخرف هاتان القراءتان في المتواتر، وهناك أذكُر إن شاء الله تعالى الفرقَ.

والسَّوارُ يُجمع في القِلَّة على " أَسْوِرة " وفي الكثرة على " سُور " بسكون الواو، وأصلُها كقُذُل وحُمُر، وإنما سُكِّنَتْ لأجلِ حرفِ العلة. وقد يُضَمُّ في الضرورة، وقال:
3154- عن مُبْرِقاتٍ بالبُرِيْنَ وتَبْـ   ـدُو في الأكفِّ اللامعاتِ سُوُرْ
وقال أهل اللغة: السَّوار ما جُعِلَ في الذِّراعِ مِنْ ذهبٍ أو فضة أو نُحاس، فإن كان مِنْ عاج فهو قُلْبٌ.

قوله: { مِن ذَهَبٍ } يجوز أن تكونَ للبيان، وأَنْ تكونَ للتبعيض. ويجوز أَنْ تتعلَّقَ بمحذوفٍ صفةً لأساوِر فموضعُه جر، وأن تتعلَّقَ بنفس " يُحَلُّوْنَ " فموضعها نصب.

قوله: { وَيَلْبَسُونَ } عطفٌ على " يُحَلَّوْن ". وبُني الفعل في التحلية للمفعول إيذاناً بكرامتِهم، وأنَّ غيرَهم يَفعل لهم ذلك ويُزَيِّنُهم به، كقولِ امرئِ القيس.
3155- غرائرُ في كِنٍّ وصَوْنٍ ونَعْمةٍ   يُحَلِّيْنَ ياقُوتاً وشَذْراً مُفَقَّراً
بخلافِ اللَّبس فإنَّ الإِنسان يتعاطاه بنفسه. وقُدِّم التحلِّي على الِّلباس لأنه أَشْهَى للنفسِ.

وقرأ أبان بن عاصم " وَيَلْبِسُونَ " بكسر الباء.

قوله: { مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } " مِنْ " لبيانِ الجنس وهي نعتٌ لثياب.

والسُّنْدُسُ: ما رَقَّ من الدِّيباج. والإِستبرق: ما غَلُظَ منه وهما جمعُ سُنْدُسة واسْتَبْرَقَة. وقيل: ليسا جمعَيْنِ. وهل " اسْتَبْرق " عربيُّ الأصلِ مشتق من البريق، أو معرِّبٌ أصلُه استبره؟ خلافٌ بين اللغويين. وقيل: الإِستبرق اسم للحرير. وأنشد للمرقش:
3156- تراهُنَّ يَلْبِسْنَ المشاعِرَ مَرَّةً   وإستبرقُ الديباجُ طَوْراً لِباسُها
وهو صالحٌ لِما تقدَّم. وقال ابنُ بحر: " الإِستبرق: ما نُسج بالذهب ".

ووَزْنُ سُنْدُس: فُعْلُل ونونُه أصلية.

وقرأ ابن محيصن " واسْتَبرقَ " بوصلِ الهمزة وفتح القافِ غيرَ منونة. فقال ابن جني: هذا سهوٌ أو كالسهوِ ". قلت: كأنه زعم أنَّه مَنَعه الصرفَ ولا وجهَ لمنعِه، لأنَّ شرطَ مَنْعِ الاسمِ الأعجمي أَنْ يكونَ عَلَماً وهذا اسمُ جنسٍ. وقد وجَّهها غيرُه على أنه جَعَلَه فعلاً ماضياً من البريق، واستَفْعَلَ بمعنى فَعَلَ المجرد نحو: قَرَّ واستقرَّ.

السابقالتالي
2