الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً }

قوله: { وَقُلِ ٱلْحَقُّ }: يجوز فيه ثلاثة أوجه، أحدُها: أنه خبرٌ لمبتدأ مضمرٍ، أي: هذا، أي: القرآن، أو ما سمعتم الحقُّ. الثاني " أنه فاعلٌ بفعلٍ مقدرٍ دَلَّ عليه السياقُ، أي: جاء الحقُّ، كما صَرَّح به في موضعٍ آخرَ، إلاَّ أنَّ الفعلَ لا يُضمر إلا في مواضعَ تقدَّم التنبيهُ عليها، منها: أَنْ يُجَابَ به استفهامٌ، أو يُرَدَّ به نفيٌ، أو يقعَ فعل مبنيّ للمفعول، لا يَصْلُح إسنادُه لما بعده كقراءة { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ } كما سيأتي إنْ شاء الله تحقيقُه في موضعِه. الثالث: أنه مبتدأٌ وخبرُه الجارُّ بعده.

وقرأ أبو السَّمَّال قعنب: " وقُلُ الحقَّ " بضمِّ اللامِ حيث وقع، كأنه إتباعٌ لحركةِ القاف. وقرأ أيضاً بنصب " الحقَّ ". قال صاحب " اللوامح ": " هو على صفةِ المصدرِ المقدَّر؛ لأن الفعلَ يَدُلُّ على مصدره وإن لم يُذْكَرْ، فتنصِبُه معرفةً كما تنصِبُه نكرةً، وتقديرُه: وقل القولَ الحقَّ وتُعَلَّقُ " مِنْ " بمضمرٍ على ذلك. أي: جاء مِنْ ربكم " انتهى.

وقرأ الحسن والثقفي بكسرِ لامَيْ الأمرِ في قوله: " فَلْيُؤْمِنْ " ، و " فَلْيَكْفُرْ " وهو الأصل.

قوله: { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن } يجوز في " مَنْ " أن تكونَ شرطيةً، وهو الظاهرُ، وأَنْ تكونَ موصولةً، والفاءُ لشَبَهِه بالشرط. وفاعلُ " شاء " الظاهرُ أنه ضميرٌ يعود على " مَنْ ". وقيل: ضميرٌ يعودُ على الله، وبه فَسَّر ابنُ عباس، والجمهورُ على خلافِه.

قوله: { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } في محلِّ نصبٍ صفةً لـ " ناراً ". والسَّرادِقُ: قيل: ما أحاط بشيءٍ كالمَضْرِب والخِباء. وقيل للحائط المشتمل على شيء: سُرادِق. قاله الهَرَوِيُّ. وقيل: هو الحُجْرَةُ تكونُ حول الفُسْطاط. وقيل: هو ما يُمَدُّ على صحنِ الدار. وقيل: كلُّ بيتٍ من كُرْسُفِ فهو سُرادِق، قال رؤبة:
3146- يا حَكَمُ بنَ المنذرِ بن الجارُوْدْ   سُرادِقُ المجدِ عليك مَمْدودْ
ويُقال: بيت مُسَرْدَق. قال الشاعر:
3147- هو المُدْخِلُ النُّعْمانَ بيتاً سماؤُه   صدورُ الفُيولِ بعد بيتٍ مُسَرْدَقِ
وكان أبرويز ملكُ الفرس قد قتل النعمان بن المنذر تحت أَرْجُلِ الفِيلة. والفُيول: جمع فِيل. وقيل: السُّرادق: الدِّهليز. قال الفرزدق:
3148- تَمَنَّيْتَهم حتى إذا ما لَقِيْتَهُمْ   تركْتَ لهم قبلَ الضِّراب السُّرادقا
والسُّرادق: فارسيٌّ معرَّبٌ أصله: سرادَة، قاله الجواليقي، وقال الراغب: " فارسيٌّ معرَّبٌ، وليس في كلامهم اسمٌ مفردٌ، ثالثُ حروفِه ألفٌ بعدها حرفان ".

قوله: { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ } ، أي: يَطْلُبوا العَوْنَ. والياءُ عن واوٍ، إذ الأصل: يستَغْوِثوا، فقُلبت الواو ياءً لتصريفٍ ذُكِر في الفاتحة عند قوله:نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 5]، وهذا الكلامُ من المشاكلةِ والتجانُسِ، وإلا فأيُّ إغاثةٍ لهم في ذلك؟ أو من باب التهكُّم كقولِه:
3149-.......................   ........ فَأُعْتِبُوا بالصَّيْلَمِ

السابقالتالي
2