الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }

قوله تعالى: { مِنَ ٱلْقُرْآنِ }: في " مِنْ " هذه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها لبيانِ الجنسِ، قاله الزمخشري، وابنُ عطية وأبو البقاء. ورَدَّ الشيخُ عليهم: بأنَّ التي للبيان لا بد أن يتقدَّمَها ما تُبَيِّنُه، لا أَنْ تتقدَّمَ هي عليه، وهنا قد وُجِدَ تقديمُها عليه.

الثاني: أنها للتبعيض، وأنكره الحوفي قال: " لأنه يَلْزَمُ أن لا يكونَ بعضُه شفاءً ". وأُجيب عنه: بأنَّ إنزالَه إنما هو مُبَعَّضٌ. وهذا الجوابُ ليس بظاهرٍ. وأجاب أبو البقاء بأنَّ منه ما يَشْفي من المرضِ. قلت: وهذا قد وُجِد بدليل رُقْيَةِ بعضِ الصحابةِ سَيِّدَ الحيِّ الذي لُدِغ، بالفاتحةِ فشُفي.

الثالث: أنها لابتداءِ الغاية وهو واضح.

والجمهور على رفع " شِفاءٌ/ ورحمةٌ " خبرين لـ " هو " ، والجملةُ صلةٌ لـ " ما " وزيدُ بن علي بنصبهما، وخُرِّجَتْ قراءتُه على نصبِهما على الحال، والصلةُ حينئذٍ " للمؤمنين " وقُدِّمَتْ الحالُ على عاملها المعنويِّ كقولِهوَٱلسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر: 67] في قراءةِ مَنْ نصب " مَطْوِيَّاتٍ ". وقولِ النابغة:
3100- رَهْطُ ابنِ كُوْزٍ مُحْقِبي أَدراعَهم   فيهم ورَهْطُ ربيعةَ بنِ حُذارِ
وقيل: منصوبان بإضمارِ فعلٍ، وهذا [عند] مَنْ يمنع تقديمَها على عاملِها المعنوي. وقال أبو البقاء: " وأجاز الكسائيُّ: " ورحمةً " بالنصب عطفاً على " ما ". فظاهرُ هذا أن الكسائيَّ بَقَّى " شفاء " على رفعِه، ونَصَبَ " رحمة " فقط عطفاً على " ما " الموصولة كأنه قيل: ونُنَزِّل من القرآن رحمةً، وليس في نَقْله ما يؤذن بأنه تلاها قرآناً. وتقدَّم الخلاف [في] " وننزل " تخفيفاً وتشديداً. والعامَّة على نونِ العظمة. ومجاهد " ويُنْزِل " بياء الغيبة، أي: الله.