الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً }

قوله تعالى: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ }: " أولئك " مبتدأٌ، وفي خبره وجهان، أظهرُهما: أنه الجملةُ مِنْ " يبتغون " ويكون الموصولُ نعتاً أو بياناً أو بدلاً، والمرادُ باسم الإِشارة الأنبياءُ الذين عُبِدوا مِنْ دون الله. والمرادُ بالواوِ العبَّادُ لهم، ويكون العائدُ على " الذين " محذوفاً، والمعنى: أولئك الأنبياءُ الذين يَدْعُونهم المشركون لكَشْفِ ضُرِّهم - أو يَدْعُونهم آلهةً، فمفعولها أو مفعولاها محذوفان - يَبْتَغون.

ويجوز أن يكونَ المرادُ بالواوِ ما أُريد بأولئك، أي: أولئك الأنبياءُ الذين يَدْعُون ربَّهم أو الناسَ إلى الهدى يَبْتغون، فمفعولُ " يَدْعُون " محذوف.

والثاني: أن الخبرَ نفسُ الموصولِ، و " يَبْتَغُون " على هذا حالٌ مِنْ فاعل " يَدْعُون " أو بدلٌ منه. وقرأ العامَّةُ " يَدْعُون " بالغيبِ، وقد تقدَّم الخلافُ في الواو: هل تعودُ على الأنبياء أو على عابِدِيْهم. وزيد بن علي بالغَيْبة أيضاً، إلا أنه بناه للمفعول. وقتادةُ وابنُ مسعودٍ بتاء الخطاب. وهاتان القراءتان تقويَّان أن الواوَ للمشركين لا للأنبياءِ في قراءة العامَّة.

قوله: { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } في " أيُّ " هذه وجهان، أحدُهما: أنها استفهاميةٌ.

والثاني: أنها موصولةٌ بمعنى الذي، وإنما كَثُرَ كلامُ المُعْرِبين فيها من حيث التقديرُ. فقال الزمخشري: " وأيُّهم بدلٌ مِنْ واو " يَبْتغون " و " أيُّ " موصولةٌ، أي: يبتغي مَنْ هو أقربُ منهم وأَزْلَفُ، أو ضُمِّن [يَبْتَغُون] الوسيلةَ معنَى يَحْرِصُون، فكأنه قيل: يَحْرِصُون أيُّهم يكون أقربَ ". قلت: فَجَعَلَها في الوجهِ الأولِ موصولةً، وصلتُها جملةٌ مِنْ مبتدأ وخبر، حُذِف المبتدأ وهو عائدُها، و " أَقْرَبُ " خبرُ " هو " واحتملت " أيُّ " حينئذٍ أن تكونَ مبنيةً، وهو الأكثرُ فيها، وأن تكونَ مُعْرَبةً، ولهذا موضعٌ هو أليقُ به في مريم. وفي الثاني جَعَلَها استفهاميةً بدليل أنه ضَمَّن الابتغاءَ معنى شيء يُعَلَّقُ وهو " يَحْرُصون " ، فيكون " أيُّهم " مبتدأً و " أقربُ " خبرَه، والجملةُ في محلِّ نصبٍ على إسقاطِ الخافض؛ لأنَّ " يَحْرِص " يتعدَّى بـ " على " قال تعالى:إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ } [النحل: 37]أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ } [البقرة: 96].

وقال أبو البقاء: " أيُّهم " مبتدأ، و " أقربُ " خبرُه وهو استفهامٌ في موضع نصب بـ " يدْعُونَ " ، ويجوز أن يكونَ " أيُّهم " بمعنى الذي، وهو بدلٌ مِنَ الضميرِ في " يَدْعُوْن ".

قال الشيخ: " علًّق " يَدْعُون " وهو ليس فعلاً قلبياً، وفي الثاني فَصَلَ بين الصلةِ ومعمولِها بالجملةِ الحاليةِ، ولا يَضُرُّ ذلك لأنها معمولةٌ للصِّلة ". قلت: أمَّا كونُ " يَدْعُون " لا يُعَلِّق هو مذهبَ الجمهور.

السابقالتالي
2