الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً }

قوله تعالى: { ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ }: فيه ثلاثة أوجه، أحدُها: أنه مبتدأٌ وخبرُه محذوف، أي: الذي فطركم يعيدُكم. وهذا التقديرُ فيه مطابقةٌ بين السؤالِ والجوابِ. والثاني: أنه خبرُ مبتدأ محذوف، أي: مُعِيْدُكم. الذي فطركم. الثالث: أنه فاعلٌ بفعلٍ مقدر، أي: يعيدُكم الذي فطركم، ولهذا صُرِّح بالفعل في نظيره عند قولِه:لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [الزخرف: 9].

و { أَوَّلَ مَرَّةٍ } ظرفُ زمان ناصبُه " فَطَركم ".

قوله: " فسَيُنْغِضُون " ، أي: يُحَرِّكونها استهزاءً. يقال: أَنْغَضَ رأسَه يُنْغِضها، أي: حَرَّكها إلى فوقُ، وإلى أسفلَ إنغاضاً، فهو مُنْغِضٌ، قال:
3071- أَنَغَضَ نحوي رأسَه وأَقْنَعا   كأنه يطلُبُ شيئاً أَطْمعا
وقال آخر:
3072- لَمَّا رَأَتْنِي أَنْغَضَتْ لِي الرَّأْسا   
وقال أبو الهيثم: " إذا أُخْبِرَ بشيءٍ فَحَرَّك رأسَه إنكاراً له فقد أَنْغَضَ ". قال ذو الرمة:
3073- ظَعائِنُ لم يَسْكُنَّ أَكْنافَ قريةٍ   بِسِيْفٍ ولم تَنْغُضْ بهنَّ القَنَاطِرُ
أي: لم تُحَرَّك، وأمَّا نَغَضَ ثلاثياً، يَنْغَضُ ويَنْغُضُ بالفتح والضم، فبمعنى تَحَرَّك، لا يتعدَّى يقال: نَغَضَتْ سِنَّه، أي: تَحَرَّكت، تَنْغُضُ نَغْضاً ونُغوضاً. قال:
3074- ونَغَضَتْ مِنْ هَرَمٍ أسنانُها   
قوله: { عَسَىٰ أَن يَكُونَ } يجوز أن تكونَ الناقصة، واسمُها مستترٌ فيها يعودُ على البعثِ والحشرِ المدلولِ عليهما بقوة الكلام، أو لتضمُّنِه في قوله " مَبْعوثون " ، و " أن يكونَ " خبرُها، ويجوز أن تكونَ التامَّةَ مسندةً إلى " أنَّ " وما في حيِّزها، واسمُ " يكونَ " ضميرُ البعثِ كما تقدَّم.

وفي " قريباً " وجهان، أحدُهما: أنه خبر " كان " وهو وصفٌ على بابِه. والثاني: أنه ظرفٌ، أي: زماناً قريباً، وأن يكونَ " على هذا تامةٌ، أي: عسى أن يقع العَوْد في زمانٍ قريب.