الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً }

قوله تعالى: { بِمَا يَسْتَمِعُونَ }: متعلقٌ بـ " أَعْلَمُ ". وما كان من باب العلمِ والجهلِ في أَفْعَلِ التفضيلِ وأفعلَ في التعجب تعدَّى بالباء نحو: أنت أعلمُ به، وما أعلمك به!! وهو أجهلُ به، وما أجهلَه به!! ومن غيرِهما يتعدَّى في البابين باللام نحو: أنت أَكْسَى للفقراء. و " ما " بمعنى الذي، وهي عبارةٌ عن الاستخفاف والإِعراض فكأنه قال: نحن أعلمُ بالاستخفافِ والاستهزاءِ الذي يستمعون به. قاله ابنُ عطية.

قوله: " به " فيه أوجهٌ، أحدها: أنه حالٌ، فيتعلق بمحذوف. قال الزمخشري: " وبه في موضع الحالِ كما [تقول:] يستمعون بالهُزْء، أي: هازئين ". الثاني: أنها بمعنى اللامِ، أي: بما يستمعون له. الثالث: أنَّهما على بابها، أي: يستمعون بقلوبهم أو بظاهرِ أسماعهم، قالهما أبو البقاء. الرابع: قال الحوفيُّ: " لم يَقُلْ يَسْتعونه ولا يستمعونك؛ لَمَّا كان الغرضُ ليس الإِخبارَ عن الاستماعِ فقط، وكان مُضَمَّناً أنَّ الاستماعَ كان على طريق الهُزْء بأن يقولوا: مجنون أو مسحور جاء الاستماع به وإلى، لِيُعْلَمَ أنَّ الاستماعَ ليس المرادُ به تَفَهُّمَ المسموعِ دون هذا المقصد " ، فعلى هذا أيضاً تتعلق الباء بـ " يستمعون ".

قوله: " إذ يستمعون " فيه وجهان: أحدُهما: أنه معمولٌ لـ " أَعْلَمُ ". قال الزمخشريُّ: " إذ يستمعون نصبٌ بـ " أَعْلَمُ " ، أي: اَعْلَمُ وقتَ استماعِهم بما به يستمعون، وبما يتناجَوْن به، إذ هم ذَوُو نجوى ". والثاني: أنه منصوبٌ بـ " يَستمعون " الأولى. قال ابن عطية: " والعاملُ في " إذ " الأولى وفي المعطوف " يستمعون " الأول. وقال الحوفي: " فـ إذ الأولى تتعلق بـ " يستمعون " وكذا { وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } لأنَّ المعنى: نحن أعلمُ بالذي يستمعون إليك وإلى قراءتِك وكلامِك، إنما يستمعون لسَقْطِك، وتتبُّعِ عيبِك، والتماسِ ما يَطْعنون به عليك، يعني في زعمهم؛ ولهذا ذكر تعديتَه بالباء و " إلى ".

قوله: " نَجْوى " يجوز أن يكونَ مصدراً فيكونَ من إطلاقِ المصدرِ على العينِ مبالغةً، أو على حَذْفِ مضاف، أي: ذوو نجوى، كما قاله الزمخشريُّ. ويجوز أَنْ يكونَ جمعَ نَجِيّ كقتيل وقَتْلَى. قاله أبو البقاء.

قوله: { إِذْ يَقُولُ } بدلٌ مِنْ " إذ " الأولى في أحَد القولين، والقولُ الآخر: أنها معمولةٌ لـ " اذكُر " مقدراً.

قوله: " مَسْحوراً " الظاهرُ أنه اسمُ مفعولٌ من " السِّحْر " بكسرِ السين، أي: مَخْبولَ العقلِ أو مخدوعَه. وقال أبو عبيدة: " معناه أن له سَحْراً " أي: رِئة بمعنى أنه لا يَستَغني عن الطعام والشرابِ، فهو بشرٌ مثلُكم.

السابقالتالي
2