الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُوراً }

قوله تعالى: { وَحْدَهُ }: فيه وجهان، أحدهما: أنَّه منصوبٌ على الحال، وإن كان معرفةً لفظاً، لأنه في قوةِ النكرة؛ إذ هو في معنى " منفرداً " ، وهل هو مصدرٌ أو اسمٌ موضوعٌ موضعَ المصدرِ الموضوعِ موضعَ الحال، فـ " وَحْدَه " وُضِعَ موضعَ " إيحاد " و " إيحاد " وُضع موضعَ " مَوْحَد " وهو مذهب سيبويه، أو هو مصدرٌ على حَذْف الزوائد، إذ يقال: أَوْحَدَه يُوْحِدُه إيحاداً، أو هو مصدرٌ بنفسِه لـ " وَحَد " ثلاثياً. قال الزمخشري: " وَحَدَ يَحِدُ وَحْداً وحِدَة نحو: وَعَد يَعِد وَعْداً وعِدَة، و " وَحْدَه " من باب: " رَجَع عَوْدَه على بَدْئه، و " افعَلْه جهدَك وطاقتَك " في أنه مصدرٌ سادٌّ مَسَدَّ الحال، أصلُه يَحِدُ وَحْدَه، بمعنى واحداً ". قلت: وقد عرفْتُ أن هذا ليس مذهبَ سيبويه.

والثاني: أنه منصوبٌ على الظرفِ، وهو قولُ يونس. واعلمْ أنَّ هذه الحالَ بخصوصِها -أعني لفظة " وحده " - إذا وَقَعَتْ بعد فاعلٍ ومفعولٍ نحو: ضَرَبَ زيدٌ عمراً وَحْده " فمذهبُ سيبويه: أنه حالٌ من الفاعل، أي: مُوَحِّداً له بالضرب. ومذهبُ المبردِ: أنه يجوز أن يكونَ حالاً من المفعول. قال الشيخ: " فعلى مذهب سيبويه يكون التقدير: وإذا ذكرْتَ ربَّك مُوَحِّداً لله، وعلى مذهب المبرد يجوز أن يكونَ التقديرُ: مُوَحَّداً بالذِّكْر ".

قوله: نُفوراً " فيه وجهان: أحدُهما: أنه مصدرٌ على غيرِ الصَّدْر؛ لأنَّ التولِّيَ والنفور بمعنى. والثاني: أنه حال مِنْ فاعل " وَلَّوا " وهو حينئذ جمع نافرٍ، كقاعِد وقُعود وجالس وجلوس. والضميرُ في " وَلَّوا " الظاهر/ عودُه على الكفارِ. وقيل: يعود على الشياطين، وإن لم يَجْرِ لهم ذِكْرٌ.