الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا }: العامَّةُ على تشديد الراء، وفي مفعول " صَرَّفْنا " وجهان، أحدُهما: أنه مذكورٌ، و " في " مزيدةٌ فيه، أي: ولقد صَرَّفْنا هذا القرآنَ، كقولِه:وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ } [الفرقان: 50]، ومثله:

3068-...................   .... يَجْرَحْ في عَراقيبِها نَصْلِيْ
وقوله تعالى:وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ } [الأحقاف: 15]، أي: يَجْرَحْ عراقيبَها، وأَصْلح لي ذريتي. ورُدَّ هذا بأنَّ " في " لا تُزاد، وما ذُكِرَ متأول، وسيأتي إنْ شاءَ الله تعالى في الأحقاف.

الثاني: أنَّه محذوفٌ تقديرُه: ولقد صَرَّفْنا أمثالَه ومواعظَه وقصصَه وأخبارَه وأوامره.

وقال الزمخشري في تقدير ذلك: " ويجوز أن يُراد بـ " هذا القرآن " إبطالُ إضافتِهم إلى الله البناتِ؛ لأنه ممَّا صرَّفه وكرَّر ذِكْرَه، والمعنى: ولقد صَرَّفْنا القولَ في هذا المعنى، وأوقَعْنا التصريفَ فيه، وجَعَلْناه مكاناً للتكرير، ويجوز أن يريد بـ { هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } التنزيلَ، ويريد: ولقد صَرَّفناه، يعني هذا المعنى في مواضعَ من التنزيل، فترك الضميرَ لنه معلومٌ ". قلت: وهذا التقديرُ الذي قدَّره الزمخشريُّ أحسنُ؛ لأنه مناسِبٌ لما دَلَّتْ عليه الآيةُ وسِيْقَتْ لأجلِه، فقدَّرَ المفعولَ خاصَّاً، وهو: إمَّا القولُ، وإمَّا المعنى، وهو الضميرُ الذي قدَّره في " صَرَّفْناه " بخلافِ تقديرِ غيرِه، فإنَّ جَعَلَه عامَّاً.

وقيل: المعنى: لم نُنَزِّلْه مرةً واحدة بل نجوماً، والمعنى: أَكْثَرْنا صَرْفَ جبريلَ إليك، فالمفعولُ جبريل عليه السلام.

وقرأ الحسن بتخفيفِ الراء فقيل: هي بمعنى القراءةِ الأولى، وفَعَل وفَعَّل قد يَشْتركان. وقال ابنُ عطية: " أي: صَرَفْنا الناسَ فيه إلى الهدى ".

قوله: " لِيَتَذَّكَّروا " متعلقٌ بـ " صَرَّفْنا ". وقرأ الأخَوان هنا وفي الفرقان بسكون الذال وضمِّ الكاف مخففةً مضارع " ذكر " من الذِّكر أو الذُّكر، والباقون بفتح الذال والكافُ مشددةٌ، والأصلُ: يتذكَّروا، فأدغم التاءَ في الذال، وهو من الاعتبار والتدبُّر.

قوله: { وَمَا يَزِيدُهُمْ } ، أي: التصريفُ، و " نُفوراً " مفعولٌ ثانٍ.