الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }

قوله تعالى: { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ }: يجوز أَنْ تكونَ " أنْ " مفسِّرةً؛ لأنها بعد ما هو بمعنى القول، و " لا " ناهيةٌ. ويجوز أَنْ تكونَ الناصبةَ، و " لا " نافيةٌ، أي: بأنْ لا، ويجوزُ أن تكونَ المخففةَ، واسمُها ضميرُ الشأن، و " لا " ناهيةٌ أيضاً، والجملةُ في مثل هذا إشكالُ: من حيث وقوعُ الطلبِ خبراً لهذا الباب. ومثلُه في هذا الإشكالِ قولُه:أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ } [النمل: 8]، وقوله:أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ } [النور: 9] لكونِه دعاءً وهو طَلَبٌ أيضاً، ويجوز أَنْ تكونَ الناصبةَ و " لا " زائدة. قال أبو البقاء: ويجوز أَنْ يكونَ في موضع نصبٍ، [أي:] أَلْزَمَ ربُّك عبادَته و " لا " زائدةٌ ". قال الشيخ: " وهذا وهمٌ لدخولِ " إلا " على مفعولِ " تَعْبدوا " فَلَزِم أن يكونَ نَفْياًً أو نهياً ".

وقرأ الجمهور " قَضَى " فعلاً ماضياً، فقيل: هي على موضوعِها الأصلي: قال ابنُ عطية: " ويكون الضمير في " تَعْبُدوا " للمؤمنين من الناسِ إلى يومِ القيامةِ " وقيل: هي بمعنى أَمَر. وقيل: بمعنى أَوْحَى، وقيل: بمعنى حَكَم، وقيل: بمعنى أَوْجَبَ أو ألزم.

وقرأ بعضُ وَلَد معاذِ بن جَبَل " وقضاء " / اسماً مصدراً مرفوعاً بالابتداء، و { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } خبرُه.

قوله: { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } قد تقدَّم نظيرُه في البقرة. وقال الحوفي: الباءُ متعلقةٌ بـ " قضى " ، ويجوز أن تكونَ متعلقةً بفعلٍ محذوفٍ تقديرُه: واَوْصى بالوالدين إحساناً، وإحساناً مصدر، أي: يُحْسِنون بالوالدين إحساناً ".

وقال الواحديُّ: " الباءُ مِنْ صلة الإِحسانِ فَقُدِّمَتْ عليه كما تقول: بزيدٍ فانْزِلْ ". وقد مَنَعَ الزمخشريُّ هذا الوجهَ قال: " لأنَّ المصدرَ لا يتقدَّم عليه معمولُه ". قلت: والذي ينبغي أن يُقال: إن هذا المصدرَ إنْ عَنَى به أنه يَنْحَلُّ لحرفٍ مصدريٍّ وفِعْلٍ فالأمرُ على ما ذَكَرَ الزمخشريُّ، وإن كان بدلاً مِنَ اللفظ بالفعلِ فالأمرُ على ما قال الواحديُّ، فالجوازُ والمنعُ بهذين الاعتبارين.

وقال ابنُ عطية: " قوله وبالوالدَيْن إحساناً عطف على " أنْ " الأولى، أي: أَمَر اللهُ أَنْ لا تعبدوا إلا إياه، وأن تُحْسِنوا بالوالدَيْن إحساناً ". واختار الشيخُ أَنْ يكون " إحساناً " مصدراً واقعاً موقعَ الفعلِ، وأنَّ " أنْ " مفسرةٌ، و " لا " ناهيةٌ. قال: فيكون قد عَطَفَ ما هو بمعنى الأمرِ على نَهْيٍ كقولِه:
3044-.......................   يقولون: لا تَهْلِكْ أَسَىً وتَجَمَّلِ
قلت: وأَحْسَنَ " و " أساء " يتعدِّيان بـ إلى وبالباء. قال تعالى:وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ } [يوسف: 100] وقال كثِّير عَزِّة:
3045- أسِيْئي بنا أو أَحْسِنِي لا مَلومةٌ   .......................

السابقالتالي
2 3 4 5