الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً }

قوله تعالى: { ٱقْرَأْ }: على إضمارِ القولِ، أي: يُقال له: اقرأْ، وهذا القولُ: إمَّا صفةٌ أو حالٌ كما في الجملةِ قبله.

قوله/ { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ } فيه ثلاثةُ أوجهٍٍ، المشهورُ عند المُعْرِبين: أنَّ " كفى " فعلٌ ماضٍ، والفاعلُ هو المجرورُ بالباء، وهي فيه مزيدةٌ، ويَدُلُّ عليه أنها حُذِفت ارتفع، كقوله:
3038- ويُخْبرني عن غائبٍ المَرْءِ هَدْيُه   كَفَى الهَدْيُ عَمَّا غَيَّبَ المَرْءُ مُخْبِرا
وقولِ الآخر:
3039-.........................   كَفَى الشيبُ والإِسلامُ للمرءِ ناهيا
وعلى هذا فكان ينبغي أن يُؤَنَّثَ الفعلُ لتأنيث فاعلِه، وإن كان مجروراً كقوله:مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ } [الأنبياء: 6] ووَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ } [الأنعام: 4]. وقد يقال: إنه جاء على أحد الجائزين فإن التأنيثَ مجازيٌّ. والثاني: أنَّ الفاعلَ/ ضميرُ المخاطبِ، و " كفى " على هذا اسمُ فعلٍ أمرٍ، أي: اكْتَفِ، وهو ضعيفٌ لقَبولِ " كَفَى " علاماتِ الأفعالِ. الثالث: أنَّ فاعلَ " كَفَى " ضميرٌ يعودُ على الاكتفاء، وقد تقدَّم الكلامُ على هذا مستوفى. و " اليومَ " نصبٌ بـ " كفى ".

قوله: " حَسِيْبا " فيه وجهان، أحدُهما: أنه تمييزٌ. قال الزمخشري: " وهو بمعنى حاسِب، كضَرِيْب القِداح بمعنى ضاربها، وصَرِيْم بمعنى صارِم، ذكرهما سيبويه، و " على " متعلقةٌ به مِنْ قولك: حَسِب عيله كذا، ويجوز أن يكونَ بمعنى الكافي ووُضِع موضعَ الشهيد، فعُدِّي بـ " على " لأنَّ الشاهدَ يكفي المُدَّعي ما أهمَّه. فإن قلت: لِمَ ذَكَرَ " حسيباً "؟ قلت: لأنَّه بمنزلةِ الشاهدِ والقاضي والأمين، وهذه الأمور يَتَوَلاَّها الرجالُ فكأنَّه قيل: كفى بنفسِك رجلاً حسيباً، ويجوز أًنْ تُتَأَوَّلَ النفسُ بمعنى الشخصِ، كما يقال: ثلاثة أنفس ". قلت: ومنه قولُ الشاعر:
3040- ثلاثةُ أنفسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ   لقد جارَ الزمانُ على عيالي
والثاني: أنه منصوبٌ على الحالِ، وذُكِرَ لِما تقدَّم. وقيل: حَسِيب بمعنى مُحاسِب كخَلِيط وجَلِيس بمعنى: مُخالِط ومُجالس.