الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }

قوله تعالى: { آيَتَيْنِ }: يجوز أن يكونَ هو المفعولَ الأولَ، و { ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } ظرفان في موضع الثاني قُدِّما على الأول، والتقدير: وجَعَلْنا آيتين في الليلِ والنهار، والمرادُ بالآيتين: إمَّا الشمسُ والقمرُ، وإمَّا تكويرُ هذا على هذا، وهذا على هذا، ويجوز أنْ يكونَ " آيَتَيْن " هو الثاني، و { ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } هما الأول. ثم فيه احتمالان، أحدُهما: أنه على حَذْفِ مضافٍ:/ إمَّا من الأولِ، أي: نَيَّرَي الليل والنهار، وهما القمرُ والشمسُ، وإمَّا من الثاني، أي: ذَوِي آيتين. والثاني: أنه لا حَذْفَ، وأنهما علامتان في أنفسِهما، لهما دلالةٌ على شيءٍ آخرَ. قال أبو البقاء: " فلذلك أضافَ في موضعٍ، وَوَصف في آخر " يعني أنه أضافَ الآيةَ إليهما في قولِه { آيَةَ ٱلْلَّيْلِ } و { ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } ووصفَهما في موضعٍ آخرَ بأنهما اثنان لقولِه: " وجَعَلْنا الليلَ والنهارَ آيتين ". هذا كلُّه إذا جَعَلْنَا الجَعْلَ تصييراً متعدِّياً لاثنين، فإن جَعَلْناه بمعنى " خَلَقْنا " كان " آيتين " حالاً، وتكونُ حالاً مقدرة.

واستشكل بعضُهم أَنْ يكونَ " جَعَلَ " بمعنى صَيَّر قال: " لأنه يَسْتَدْعِيْ أن يكونَ الليلُ والنهارُ موجودَيْن على حالةٍ، ثم انتقل عنها إلى أخرى ".

قوله: " مُبْصِرَةً " فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه مِنْ الإِسنادِ المجازيِّ، لأنَّ الإِبصارَ فيها لأهلِها، كقولِه:وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً } [الإِسراء: 59] لمَّا كانت سبباً للإِبْصار. وقيل: " مُبْصِرة ": مضيئةً، وقيل: هي من بابِ اَفْعَل، والمرادُ به غيرُ مَنْ أُسْنِد الفعلُ إليه كقولهم: " أَضْعَفَ الرجلُ " ، أي: ضَعُفَتْ ماشِيتُه، و " أَجْبن " إذا كان أهلُه جبناء، فالمعنى أنَّ أهلَها بُصراء.

وقرأ عليُّ بن الحسين وقتادةُ " مَبْصَرة " بفتح الميم والصاد، وهو مصدرٌ أقيم مُقام الاسمِ، وكَثُر هذا في صفاتِ الأمكنة نحو: " مَذْأَبَة ".

قوله: { وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ } فيه وجهان، أحدهما: أنَّه منصوبٌ على الاشتغال، ورُجِّح نصبُه لتقدُّمِ جملةٍ فعلية. وكذلكوَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ } [الإِسراء: 13]. والثاني: - وهو بعيد - أنه منصوبٌ نَسَقاً على " الحِسابَ " ، أي: لتعلموا كلَّ شيءٍ أيضاً، ويكون " فَصَّلْناه " على هذا صفةً.

وقرئ " في عُنْقِه " وهو تخفيفٌ شائعٌ.