الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً }

قوله تعالى: { أَيّاً مَّا تَدْعُواْ }: " أيَّاً " منصوب بـ " تَدْعُوا " على المفعول به، والمضافُ إليه محذوفٌ، أي: أيَّ الاسمين. و " تَدْعوا " مجزوم بها فهي عاملةٌ معمولةٌ، وكذلك الفعلُ، والجوابُ الجملةُ الاسمية مِنْ قوله { فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ }. وقيل: هو محذوفٌ تقديرُه: جاز، ثم استأنفَ فقال: فله الأسماءُ الحسنى ". وليس بشيءٍ.

والتنوين في " أَيَّاً " عوضٌ من المضافِ إليه. وفي " ما " قولان، أحدهما: أنها مزيدةٌ للتاكيد. والثاني: أنها شرطيةٌ جُمِعَ بينهما تأكيداً كما جُمِع بين حَرْفَيْ الجرِّ للتاكيد، وحَسَّنه اختلافُ اللفظ كقوله:
3119- فَأَصْبَحْنَ لا يَسْأَلْنني عن بما به   ........................
ويؤَيِّد هذا ما قرأ به طلحة بن مصرف " أياً مَنْ تَدْعُوا " فقيل: " مَنْ " تحتمل الزيادة على رأيِ الكسائي كقوله في قوله:
310- يا شاةَ مَنْ قنَصَ لِمَنْ حَلَّتْ له   ............................
واحتُمِل أن تكونَ شرطيةً، وجُمِع بينهما تأكيداً لِما تقدم. و " تَدْعُوا " هنا يحتمل أن يَكونَ من الدعاء وهو النداء فيتعدَّى لواحدٍ، وأن يَكونَ بمعنى التسمية فيتعدَّى لاثنين، إلى الأولِ بنفسه، وإلى الثاني بحرفِ الجر، ثم يُتَّسَعُ في الجارِّ فيُحذف كقوله:
3121- دَعَتْني أخاها أمُّ عمروٍ.........   ..............................
والتقدير: قل: ادعُوا معبودَكم بالله أو بالرحمن/ بأيِّ الاسمين سَمَّيتموه. وممَّن ذهب إلى كونها بمعنى " سَمَّى " الزمخشري.

ووقف الأخوان على " أيّا " بإبدال التنوين ألفاً، ولم يقفا على " ما " تبييناً لانفصالِ، " أيَّ " مِنْ " ما ". ووقف غيرُهما على " ما " لامتزاجها بـ " أيّ " ، ولهذا فُصِل بها بين " أيّ " وبين ما أُضيفت إليه في قوله تعالىأَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ } [القصص: 28]. وقيل: " ما " شرطيةٌ عند مَنْ وقف على " أياً " وجعل المعنى: أيَّ الاسمينِ دَعَوْتموه به جاز ثم استأنف { مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } يعني أنَّ " ما " شرطٌ ثانٍ، و " فله الأسماءُ " جوابُه، وجوابُ الأول مقدِّرٌ. وهذا مردودٌ بأنَّ " ما " لا تُطْلق على آحاد أولي العلم، وبأنَّ الشرطَ يقتضي عموماً، ولا يَصِحُّ هنا، وبأن فيه حَذْفَ الشرط والجزاء معاً.