الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً }

قوله تعالى: { تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ }: يجوز في " بيِّنات " النصبُ صفةً للعددِ، والجرُّ صفةً للمعدود.

قوله: { إِذْ جَآءَهُمْ } فيه أوجهٌ، أحدُها: أن يكونَ معمولاً لـ " آتَيْنا " ، ويكون قولُه { فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } اعتراضاً. والثاني: أنَّه منصوبٌ بإضمار اذكُرْ. والثالث: أنه منصوبٌ بـ يُخْبرونك مقدَّراً. الرابع: أنه منصوبٌ بقولٍ مضمرٍ، إذ التقديرُ: فَقُلْنا له: سَلْ بني إسرائيل حين جاءهم. وقد ذكر هذه الأوجهَ الزمخشريُّ مرتبةً على مقدمةٍ ذكرها قبل ذلك فلنذكُرْها. قال: { فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } ، أي: فقلنا له: سَلْ بني [إسرائيل]، أي: سَلْهُمْ عن فرعونَ، وقل/ له: أرسلْ معي بني إسرائيل، أو سَلْهُم عن إيمانهم وحالِ دينهم، أو سَلْهُمْ أن يُعاضِدوك، وتَدُلُّ عليه قراءةُ رسول الله " فسال " على لفظ الماضي بغير همزٍ وهي لغةُ قريش.

وقيل: فَسَلْ يا رسول اللهِ المُؤْمِنَ من بني إسرائيل كعبدِ الله بن سلام وأصحابِه عن الآيات ليزدادوا يقيناً وطُمَأنينة كقوله:وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [البقرة: 260]. ثم قال: " فإن قلتَ بمَ تعلَّق " إذ جاءهم "؟ قلت: أمَّا على الوجهِ الأولِ فبالقولِ المحذوفِ، أي: فقلنا له: سَلْهُمْ حين جاءهم، أو بـ " سال " في القراءة الثانية. وأمَّا على الأخير فبـ " آتَيْنا " أو بإضمار اذْكُرْ، أو بيُخْبرونك. ومعنى إذ جاءهم: إذ جاء آباءهم ". انتهى.

قال الشيخ: " ولا يتأتَّى تَعَلُّقه بـ " اذكر " ولا بـ يُخبرونك لأنه ظرفٌ ماضٍ ". قلت: إذا جعله معمولاً لـ " اذكُرْ " ، أو لـ يُخْبرونك لم يَجْعَلْه ظرفاً بل مفعولاً به، كما تقرَّر ذلك غيرَ مرة.

الخامس: أنه مفعولٌ به والعاملُ فيه " فَسَلْ ". قال أبو البقاء: " فيه وجهان، أحدُهما: هو مفعولٌ به باسْأَلْ على المعنى لأنَّ المعنى: اذْكرْ لبني إسرائيل [إذ جاءهم] وقيل: التقديرُ اذكر إذ جاءهم وهي غيرُ " اذكر " الذي قَدَّرْتَ به اسْأَلْ ". يعني أن اذكرْ المقدرةَ غيرُ " اذكر " الذي فَسَّرْتَ " اسأَلْ " بها، وهذا يؤيد ما ذكرْتُه لك مِنْ أنَّهم إذا قدَّروا " اذكر " جعلوا " إذ " مفعولاً به لا ظرفاً.

إلا أنَّ أبا البقاء ذكر حالَ كونِه ظرفاً ما يقتضي أنْ يعملَ فيه فعلٌ مستقبلٌ فقال: " والثاني: أن يكونَ ظرفاً. وفي العامل فيه أوجهٌ، أحدُها: " آتَيْنا ". والثاني: " قلنا " مضمرة. والثالث: " قُلْ " ، تقديرُه قل لخصمِك: سَلْ. والمرادُ به فرعونُ، أي: قُلْ يا موسى، وكان الوجهُ أن يُقال: إذ جئتهم بالفتح، فرجع من الخطاب إلى الغيبة ".

قلت: فظاهرُ الوجهِ الثالثِ أنَّ العاملَ فيه " قُلْ " وهو ظرفٌ ماضٍ، على أنَّ هذا المعنى الذي نحا إليه ليس بشيءٍ؛ إذ يرجع إلى: يا موسى قُلْ لفرعونَ: سَلْ بني إسرائيل، فيعودُ فرعون هو السائلَ لبني إسرائيل، وليس المرادُ ذلك قطعاً، وعلى التقدير الذي قَدَّمْتُه عن الزمخشريِّ - وهو أنَّ المعنى: يا موسى سَلْ بني إسرائيل، أي: اطْلُبْهم من فرعونَ - يكون المفعولُ الأول للسؤال محذوفاً، والثاني هو " بني إسرائيل " ، والتقدير: سَلْ فرعونَ بني إسرائيل، وعلى هذا فيجوز أن تكونَ المسألةُ من التنازع، وأعمل الثانيَ، إذ التقديرُ: سَلْ فرعونَ فقال فرعونُ، فأعمل الثانيَ فَرَفَع به الفاعلَ، وحَذَفَ المفعولَ مِنَ الأول وهو المختار من المذهبين.

السابقالتالي
2