الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }

قوله تعالى: { وَحَفَدَةً }: في " حَفَدَة " أوجهٌ. أظهرُها: أنه معطوفٌ على " بنين " بقيدِ كونِه من الأزواج، وفُسِّر هنا بأنه أولادُ الأولادِ. الثاني: أنه مِنْ عطفِ الصفاتِ لشيءٍ واحدٍ، أي: جَعَلَ لكم بنينَ خَدَماً، والحَفَدَةُ: الخَدَمُ. الثالث: أنه منصوبٌ بـ " جَعَلَ " مقدرةً، وهذا عند مَنْ يُفَسِّر الحَفَدة بالأعوان والأَصْهار، وإنما احتيج إلى تقدير " جَعَلَ " لأنَّ " جَعَلَ " الأولى مقيدةٌ بالأزواج، والأعوانُ والأصهارُ ليسوا من الأزواج.

والحَفَدَةُ: جمع حافِد كخادِم وخَدَم. وفيهم للمفسرين أقوالٌ كثيرةٌ، واشتقاقُهم مِنْ قولِهم: حَفَد يَحْفِد حَفْداً وحُفوداً وحَفَداناً، أي: أسرع في الطاعة. وفي الحديث: " وإليك نَسْعَى ونَحْفِدُ " ، أي: نُسْرِعِ في طاعتِك. قال الأعشى:
3001- كَلَّفْتُ مجهولَها نُوْقاً يَمانيةً   إذا الحُداة على أَكْسائها حَفَدُوا
وقال الآخر:
3002- حَفَدَ الولائدُ حولَهُنَّ وأَسْلَمَتْ   بأكفِّهنَّ أَزِمَّةَ الأجْمالِ
ويستعمل " حَفَدَ " أيضاً متعدياً. يقال: حَفَدَني فهو حافِدٌ، وأُنْشِد:
3003- يَحْفِدون الضيفَ في أبياتِهمْ   كَرَماً ذلك منهم غيرَ ذُلّْ
وحكى أبو عبيدة أنه يقال: " أَحْفَدَ " رباعياً. وقال بعضهم: " الحَفَدَةُ: الأَصْهار، وأنشد:
3004- فلو أنَّ نفسي طاوَعَتْني لأصبحَتْ   لها حَفَدٌ ممَّا يُعَدُّ كثيرُ
ولكنها نَفسٌ عليَّ أَبِيَّةٌ   عَيُوفٌ لإِصهارِ اللِّئامِ قَذْوْرُ
ويقال: سيفٌ مُحْتَفِدٌ، أي: سريعُ القطع. وقال الأصمعيُّ: " أصلُ الحَفْدِ: مقارَبَةُ الخَطْوِ ".

و " مِنْ " في { مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } للتبعيض.