الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }

قوله تعالى: { وَمَا بِكُم }: يجوز في " ما " وجهان، أحدهما: أن تكونَ موصولةً، والجارُّ صلتُها، وهي مبتدأٌ، والخبرُ قولُه { فَمِنَ ٱللَّهِ } والفاءُ زائدةٌ في الخبر لتضمُّنِ الموصولِ معنى الشرطِ، تقديره: والذي استقرَّ بكم. و { مِّن نِّعْمَةٍ } بيان للموصول. وقدَّر بعضُهم متعلِّق " بكم " خاصَّاً فقال: " وما حَلَّ بكم أو نزل بكم " وليس بجيدٍ؛ إذ لا يُقَدَّرُ إلا كونٌ مطلقٌ.

والثاني: أنها شرطية، وفعلُ الشرطِ بعدها محذوفٌ وإليه نحا الفراء، وتبعه الحوفيُّ وأبو البقاء. قال الفراء: " التقدير: وما يكنْ بكم ". وقد رُدَّ هذا بأنه لا يُحْذَفُ فعلٌ إلا بعد " إنْ " خاصةً، في موضعين، أحدُهما: أن يكون في باب الاشتغال نحو:وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ } [التوبة: 6] لأنَّ المحذوفَ في حكمِ المذكورِ. والثاني: أن تكونَ " إنْ " متلوَّةً بـ " لا " النافية، وأنْ يَدُلَّ على الشرطِ ما تقدَّمه من الكلامِ كقوله:
2982- فطلِّقْها فَلَسْتَ لها بكُفْءٍ   وإلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَك الحُسامُ
أي: وإن لا تُطَلِّقْها، فَحَذَفَ لدلالةِ قوله " فَطَلِّقْها " عليه فإن لم توجَدْ " لا " النافيةُ، أو كانت الأداةُ غيرَ " إنْ " لم يُحْذَفْ إلا ضرورةً، مثالُ الأول:
2983- قالَتْ بناتُ العمِّ يا سَلْمَى وإنْ   كان غنياً مُعْدِماً قالت: وإنْ
أي: وإن كان غنياً رَضِيْتُه. ومثالُ الثاني:
2984- صَعْدَة نابتةٌ في حائرٍ   اَيْنَما الريحُ تُمَيِّلْها تَمِلْ
وقول الآخر:
2985- فمتى واغِلٌ يَنُبْهُمْ يُحَيُّو   ه وتُعْطَفْ عليه كأسُ الساقي
قوله: { فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } الفاءُ جوابُ " إذا ". والجُؤار رَفْعُ الصوتِ، قال رؤبة يصفُ راهباً./
2986- يُراوِحُ مِنْ صلواتِ المَلِيـ   ـكِ طَوْراً سُجوداً وطَوْراً جُؤاراً
ومنهم مَنْ قَيَّده بالاستغاثة، وأنشد الزمخشري:
2987- جَآَّرُ ساعاتِ النيامِ لربِّه   ..........................
وقيل: الجُؤَار كالخُوار، جَأَر الثورُ وخارَ واحد، إلا أنَّ هذا مهموزُ العين وذلك معتلُّها. وقال الراغب: " جَأَر إذا أفرط في الدعاء والتضرع، تشبيهاً بجُؤَارِ الوَحْشِيَّات ".

وقرأ الزهري: " تَجَرون " بحذفِ الهمزةِ وإلقاء حركتها على الساكنِ قبلَها، كما قرأ نافع " رِدَّاً " في " رِدْءاً ".