الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ }

قوله تعالى: { مِن نُّطْفَةٍْْ } متعلِّقٌ بـ " خَلَق " و " مِنْ " لابتداءِ الغاية. والنُّطْفَةُ: القَطْرَةُ من الماء، نَطَفَ رأسُه ماءً، أي: قَطَر. وقيل: هي الماء الصافي ويُعَبَّرُ بها عن ماءِ الرجل، ويُكْنَى بها عن اللؤلؤة، ومنه صبيٌّ مُنَطَّف: إذا كان في أذنه لُؤْلؤة، ويقال: ليلة نَطُوف: إذا جاء فيها مطرٌ. والناطِف: ما سال من المائعاتِ، نَطَفَ يَنْطِفُ، أي: سال فهو ناطِفٌ. وفرنٌ يَنْطِفُ بسوءٍ.

قوله: { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ } عَطَفَ هذه الجملةَ على ما قبلَها. فإن قيل: الفاءُ تدلُّ على التعقيب، ولا سيما وقد وُجِدَ معها " إذا " التي تقتضي المفاجَأةَ، وكونُه خصيماً مبيناً لم يَعْقُبْ خَلْقَه مِنْ نُطْفة، إنما توسَّطَتْ بينهما وسائطُ كثيرةٌ. فالجوابُ من وجهين، أحدُهما: أنه من باب التعبير عن حال الشيءِ بما يَؤُول إليه، كقولِه تعالى:أَعْصِرُ خَمْراً } [يوسف: 36]. والثاني: أنه أشار بذلك إلى سُرْعَةِ نِسْيانهم مَبْدَأَ خَلْقِهم. وقيل: ثَمَّ وسائِطُ محذوفةٌ. والذي يظهر أنَّ قولَه " خَلَقَ " عبارةٌ عن إيجاده وتربيتِه إلى أن يبلغَ حدَّ هاتين الصفتين.

و " خصيم " فَعِيْل، مثالُ مبالغةٍ مِنْ خَصَم بمعنى اختصم، ويجوز أن يكونَ مُخاصِم كالخَلِيط والجَلِيس.