الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

وقرأ العامَّةُ { إِن تَحْرِصْ }: بكسرِ الراءِ مضارعَ " حَرَص " بفتحِها، وهي اللغةُ العاليةُ لغةُ الحجاز. والحسن وأبو حَيْوة " تَحْرَصُ " بفتح الراء مضارعَ " حَرِص " بكسرِها، وهي لغةُ لبعضِهم، وكذلك النخعي، إلا أنه زاد واواً قبل " إنْ " فقرأ { وَإنْ تَحْرَصْ }.

قوله: { لاَ يَهْدِي } قرأ الكوفيون " يَهْدِي " بفتح الياءِ وكسرِ الدالِ، وهذه القراءةُ تحتمل وجهين، أحدُهما: أن يكون الفاعلُ ضميراً عائداً على الله، أي: لا يَهْدِي اللهُ مَنْ يُضِلُّه، فـ " مَنْ " مفعولُ " يَهْدِي " ويؤيده قراءةُ أُبَيّ " فإنَّ اللهَ لا هاديَ لِمَنْ يُضِلُّ، ولِمَنْ أضلَّ " ، وأنه في معنى قولِه:مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } [الأعراف: 186].

والثاني: أن يكونَ الموصول هو الفاعلَ، أي: لا يَهْدِيْ المُضِلَّون، و " يَهْدِي " يجيءُ في معنى يهتدي. يقال: هداه فَهَدَى، أي: اهتدى. ويؤيد هذا الوجهَ قراءةُُ عبدِ الله " يَهْدِي " بتشديدِ الدالِ المكسورةِ، فَأَدْغم. ونقل بعضُهم في هذه القراءةِ كسرَ الهاءِ على الإِتباع، وتحقيقُه تقدَّمَ في يونس. والعائدُ على " مَنْ " محذوفٌ: { مَن يُضِلُّ } ، أي: الذي يُضِلُّه اللهُ.

والباقون: " لا يُهْدَى " بضمِّ الياءِ وفتحِ الدالِ مبنياً للمفعول، و " مَنْ " قائمٌ مَقامَ فاعِله، وعائدُه محذوفٌ أيضاً.

وجَوَّز أبو البقاء في " مَنْ " أن يكونَ مبتدأً و " لا يَهْدِي " خبره، يعني: مقدَّمٌ عليه. وهذا خطأٌ؛ لأنه متى كان الخبرُ فعلاً رافعاً لضميرٍ مستترٍ وجب تأخُّرُه نحو: " زيدٌ لا يَضْرِبُ " ، ولو قَدَّمْتَ لالتبس بالفاعل.

وقُرِئ " لا يُهْدِيْ " بضمِّ الياءِ وكسرِ الدالِ. قال ابن عطية: " وهي ضعيفةٌ " قال الشيخ: " وإذا ثَبَتَ أنَّ " هَدَى " لازمٌ بمعنى اهتدى لم تكنْ ضعيفةً؛ لأنه أدخل همزةَ التعديةِ على اللازم، فالمعنى: لا يُجْعَلُ مهتدياً مَنْ أضلَّه اللهُ ".

وقوله: " ومالهم " حُمِلَ على معنى " مَنْ " ، فلذلك جُمِعَ.

وقُرِئ " مَنْ يَضِلُّ " بفتحِ الياءِ مِنْ " ضَلَّ " ، أي: لا يَهْدي مَنْ ضَلَّ بنفسِه.