الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { جَنَّاتُ عَدْنٍ }: يجوز أن يكونَ هو المخصوصَ بالمدح فيجيءُ فيها ثلاثةُ الأوجهِ: رفعُها بالابتداء، والجملةُ المتقدمة خبرُها، أو رفعُها خبرَ المبتدأ المضمر، أو رفعُها بالابتداءِ والخبرُ محذوفٌ، وهو أضعفُها، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك. ويجوز أن يكونَ { جَنَّاتُ عَدْنٍ } خبرَ مبتدأ مضمرٍ لا على ما تقدَّم، بل يكونُ المخصوصُ محذوفاً، تقديرُه: ولَنِعْمَ دارُ المتقين دارُهم هي جنات. وقَدَّره الزمخشريُّ " ولَنِعْمَ دارُ المتقين دارُ الآخرة ". ويجوز أن يكونَ مبتدأً. والخبرُ الجملةُ مِنْ قوله: " يَدْخلونها " ، ويجوز أن يكونَ الخبرُ مضمراً تقديره: لهم جناتُ عدن، ودلَّ على ذلك قولُه { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ }.

والعامَّة على رفع " جناتُ " على ما تقدَّم. وقرأ زيد بن ثابت والسُّلَمي " جناتِ " نصباً على الاشتغال بفعل مضمر تقديره: يَدْخلون جناتِ عدن يَدْخُلونها، وهذه تُقَوِّي أن يكونَ " جنات " مبتدأً، و " يَدْخلونها " الخبرَ في قراءةِ العامَّة.

وقرأ زيد بن علي " ولَنِعْمَةُ دارِ " بتاءِ التأنيثِ مرفوعةٌ بالابتداء، و " دارِ " خفضٌ بالإِضافة، و " جَنَّاتُ عَدْنٍ " الخبر. و " يَدْخُلونها " في جميعِ ذلك نصبٌ على الحال، إلاّ إذا جَعَلْناه خبراً لـ { جَنَّاتُ عَدْنٍ }.

وقرأ نافع في روايةٍ " يُدْخَلُونها " بالياءِ مِنْ تحتُ مبنياً للمفعول، وأبو عبد الرحمن " تَدْخُلونها " بتاء الخطاب مبنياً للفاعل.

قوله: " تَجْري " يجوز أن يكونَ منصوباً على الحالِ مِنْ " جنات " قاله ابن عطية، وأن يكونَ في موضعِ الصفةِ لـ " جنات " قاله الحوفي، والوجهان مبنيَّان على القولِ في " عَدْن ": هل هو معرفةٌ لكونِه علماً، أو نكرةً، فقائلُ الحالِ لَحَظ الأولَ، وقائلُ النعتِ لحظَ الثاني.

قوله: { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ } الكلامُ في هذه الجملةِ كالكلامِ في الجملة قبلَها، والخبرُ: إمَّا " لهم " و إمَّا " فيها ".

قوله: " كذلك " الكافُ في محلِّ نصب على الحال من ضمير المصدرِ، أو نهتٌ لمصدرٍ مقدرٍ، أو في محلِّ رفعٍ خبراً لمبتدأ مضمر، أي: الأمرُ كذلك. و { يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } مستأنَفٌ.