الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ }: يجوز أن يكونَ الموصولُ مجرورَ المحلِّ نعتاً لِما قبله، أو بدلاً منه، أبو بياناً له، وأن يكونَ منصوباً على الذمِّ، أو مرفوعاً عليه، أو مرفوعاً عليه، أو مرفوعاً بالابتداء، والخبرُ قولُه { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } والفاءُ مزيدةٌ في الخبر، قاله ابن عطية، وهذا لا يجيْءُ إلاَّ على رأي الأخفش في إجازته زيادةَ الفاء في الخبر مطلقاً، نحو: " زيد فقام " ، أي: قام. ولا يُتَوَهَّم أن هذه الفاءَ هي التي تدخل مع الموصولِ المتضمِّنِ معنى الشرط؛ لأنه لو صُرِّح بهذا الفعلِ مع أداةِ الشرط لم يَجُزْ دخولُ الفاء عليه، فما ضُمِّن معناه أَوْلَى بالمنع، كذا قاله الشيخ، وهو ظاهر. وعلى الأقوالِ المتقدمةِ خلا القول الأخيرِ يكون " الذين " وصلتُه داخلاً في المَقُول، وعلى القولِ الأخيرِ لا يكنُ داخلاً فيه.

وقرأ " يَتَوَفَّاهُمْ " في الموضعين بالياء حمزة، والباقون بالتاء مِنْ فوق، وهما واضحتان ممَّا تقدَّم في قولهفَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [آل عمران: 39] " فناداه ". وقرأت فرقةٌ بإدغام إحدى التاءين في الأخرى، في مصحفِ عبد الله " تَوَفَّاهم " بتاءٍ واحدة، وهي مُحْتَمِلةٌ للقراءةِ بالتشديد على الإِدغام، وبالتخفيفِ على حَذْفِ إحدى التاءَيْن.

و { ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } حالٌ مِنْ مفعولِ " تَتَوَفَّاهم " و " تَتَوَفَّاهم " يجوز أن يكونَ مستقبلاً على بابه إن كان القولُ واقعاً في الدنيا، وأن يكونَ ماضياً على حكاية الحال إن كان واقعاً يوم القيامة.

قوله: " فَأَلْقَوا " يجوز فيه أوجهٌ، أحدها: أنه خبر الموصول وقد تقدَّم فسادُه. الثاني: أنه عطفٌ على { قَالَ ٱلَّذِينَ }. الثالث: أن يكونَ مستأنفاً، والكلامُ قم تَمَّ عند قولِه " أنفسِهم " ، ثم عاد بقولِه " فألْقَوا " إلى حكاية كلام المشركين يومَ القيامة، فعلى هذا يكون قولُه { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } إلى قوله " أنفسهم " جملةَ اعتراض. الرابع: أن يكونَ معطوفاً على " تَتَوفَّاهم " قاله أبو البقاء، وهذا إنما يتمشَّى على أنَّ " تَتَوفَّاهم " بمعنى المُضِيِّ، ولذلك لم يذكرْ أبو البقاء في " تَتَوفَّاهم " سواه.

قوله: { مَا كُنَّا نَعْمَلُ } فيه أوجه، أحدها: أن يكون تفسيراً للسَّلَم الذي أَلْقَوه؛ لأنه بمعنى القول بدليلِ الآيةِ الأخرى:فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ } [النحل: 86]، قاله أبو البقاء، ولو قال: " يحكي ما هو بمعنى القول " كان أوفقَ لمذهب الكوفيين. الثاني: أن يكونَ " ما كنَّا " منصوباً بقولٍ مضمرٍ، ذلك الفعلُ منصوب على الحال، أي: فألقَوا السَّلَم قائلين ذلك./ و { مِن سُوۤءٍ } مفعول " نعمل " ، زِيْدَتْ فيه " مِنْ " ، و " بلى " جوابٌ لـ " ما كنَّا " فهو إيجابٌ له.