الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ }

قوله تعالى: { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ }: قد تقدَّم الخلافُ في " يُنَزِّل " بالنسبة إلى التشديدِ والتخفيفِ في البقرة. وقرأ زيدُ بن علي والأعمشُ وأبو بكر عن عاصم " تَنَزَّلُ " مشدداً مبنياً للمفعول وبالتاءِ مِنْ فوقُ، " الملائكةُ " رفعاً لقيامِه مَقامَ الفاعلِ وقرأ الجحدريُّ كذلك، إلا أنه خَفَّف الزايَ. وقرأ الحسنُ والأعرجُ وأبو العالية والمفضَّل عن عاصم " تَنَزَّلُ " بتاءٍ واحدةٍ مِنْ فوقُ، وتشديدِ الزايِ مبنياً للفاعل، والأصلُ: " تَتَنَزَّل " بتاءَيْن. وقرأ ابنُ أبي عبلة " نُنَزِّلُ " بنونينِ وتشديدِ الزايِ، " الملائكةَ " نصباً، وقتادةُ كذلك إلا انه بالتخفيف. قال/ ابن عطية: " وفيهما شذوذٌ " ولم يُبَيِّن وجهَ ذلك، ووجهُه: أنَّ ما قبله وما بعده مضمرٌ غائبٌ، وتخريجُه على الالتفات.

قوله: " بالرُّوْحِ " يجوز أن يكونَ متعلقاً بنفس الإِنزال، وأن يكونَ متعلقاً بمحذوفٍ على أنه حالٌ من الملائكة " ، أي: ومعهم الروحُ.

قوله: { مِنْ أَمْرِهِ } حالٌ من " الرُّوحِ ". و " مِنْ ": إمَّا لبيانِ الجنسِ، وإمَّا للتبعيضِ.

قوله: { أَنْ أَنْذِرُوۤاْ } في " أَنْ " ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها المُفَسِّرةُ؛ لأنَّ الوحيَ فيه ضَربٌ من القولِ، والإِنزالُ بالروحِ عبارةٌ عن الوحيِ. الثاني: أنها المخففةُ مِنَ الثقيلة، واسمُها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ تقديره: أنَّ الشأنَ أقولُ لكم: إنه لا إله إلا أنا، قاله الزمخشريُّ: الثالث: أنها المصدريةُ التي من شأنِها نصبٌ نصبُ المضارع ووُصِلَتْ بالأمر كقولهم: " كتبت إليه بأنْ قُمْ " ، وقد مضى لنا فيه بحثٌ.

فإن قلنا: إنها المفسِّرةُ فلا مَحَلَّ لها، وإنْ قلنا: إنها المخففةُ أو الناصبةُ ففي محلِّها وثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها مجرورةُ المحلِّ بدلاً من " الرُّوح "؛ لأنَّ التوحيدَ رُوْحٌ تَحْيا به النفوسُ. الثاني: أنها في محلِّ جرٍّ على إسقاطِ الخافضِ كما هو مذهبُ الخليل. والثالث: أنها في محل نصب على إسقاطه وهو مذهبُ سيبويه، والأصلُ: بأَنْ أَنْذِروا، فلمَّا حُذِفَ الجارُّ جَرَى الخلافُ المشهورُ.

قوله: { أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ } هو مفعولُ الإِنذار والإِنذار قد يكونُ بمعنى الإِعلامِ. يقال: نَذَرْتُه وأَنْذَرته بكذا، أي: أَعْلِمُوهم التوحيدَ. وقوله " فاتَّقونِ " التفاتٌ إلى التكلمِ بعد الغَيْبة.