الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله تعالى: { مِنْهُ لَحْماً }: يجوز في " منه " تعلُّقُه بـ " لتأكلوا " ، وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنه حالٌ من النكرة بعده. و " مِنْ " لابتداء الغاية أو للتبعيضِ، ولا بُدَّ مِنْ حذفِ مضافٍ، أي: مِنْ حيوانِه.

و " طَرِيّاً " فَعِيْل مِنْ طَرُوَ يَطْرُوْ طَراوةً كسَرُوَ يَسْرُوْ سَراوَةً. وقال الفراء: " بل يقال: طَرِيَ يَطرَى طَراوةً وطَراءً مثل: شَقِيَ يَشْقَى شَقَاوَةً وشَقاءً ". والطَّراوةُ ضد اليَبُوسة، أي: غَضاً جديداً. ويُقال: الثيابُ المُطَرَّاة. والإِطراء: مَدْحٌ تَجَدَّد ذِكْرُه، وأمَّا " طَرَأَ " بالهمز فمعناه طَلَع.

قوله: " حِلْيةً " الحِلْيَةُ: اسمٌ لِما يُتَحَلَّى به، وأصلُها الدلالةُ على الهيئة كالعِمَّة والخِمْرَة. و " تَلْبَسُونها " صفةٌ. و " منه " يجوز فيه ما جاز في " منه " قبله. وقوله " تَرَى " جملةٌ معترضةٌ بين التعليلين وهما " لتأكلوا " و " لِتَبْتَغُوا " ، وإنما كانَتْ اعتراضاً لأنها خطابٌ لواحد بين خطابين لجمعٍ.

قوله: " فيه " يجوز أَنْ يتعلَّقَ بـ " ترى " ، وأَنْ يتعلَّقَ بـ " مواخِرَ " لأنها بمعنى شَواقَّ، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنه حالٌ مِنْ " مَواخِر " ، أو مِنَ الضميرِ المستكنِّ فيه.

و " مَواخِر " جمع ماخِرة، والمَخْرُ: الشَّقُّ، يُقال: مَخَرَتِ السفينةُ البحرَ، أي: شَقَّتْه، تَمْخُره مَخْراً ومُخُوراٌ. ويقال للسُّفُنِ: بناتُ مَخْرٍ وبَخْرٍ بالميم، والباءُ بدل منها. وقال الفراء: " هو صوتُ جَرْيِ الفُلْكِ ". وقيل: صوتُ شدَّةِ هُبوبِ الريحِ. وقيل: " بناتُ مَخْرٍ " لسَحابٍ ينشَأُ صَيْفاً، وامْتَخَرْتُ الريحَ واسْتَمْخَرْتُها، أي: استقبلْتَها بأنفك. وفي الحديث: " اسْتَمْخِروا الريحَ، وأَعِدُّوا النُّبَلَ " يعني في الاستنجاء، والماخُور: الموضع الذي يُباع فيه الخمرُ. و " ترى " هنا بَصَريَّةٌ فقط.

قوله: " ولِتَبْتَغُوا " فيه ثلاثةُ أوجهٍ: عطفُه على " لتأكلوا " ، وما بينهما اعتراضٌ -كما تقدَّم- وهذا هو الظاهرُ. ثانيها: أنه عطفٌ على علةٍ محذوفةٍ تقديره: لتنتفعوا بذلك ولتبتَغُوا، ذكره ابن الأنباري، ثالثُها: أنه متعلِّقٌ بفعلٍ محذوفٍ، أي: فَعَل ذلك لتبتغوا، وفيهما تكلُّفٌ لا حاجةَ إليه.