الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ }

قوله تعالى: { فَٱصْدَعْ }: أصلُ الصَّدْعِ: الشَّقُّ: صَدَعْتُه فانصَدَعَ، أي: شَقَقْتُه فانْشَق، ومنه التفرقةُ أيضاً كقوله:يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [الروم: 43].

وقال:
2955-...........................   كأنَّ بياضَ غِرَّتِه صَدِيعُ
والصَّديعُ: ضوء الفجر لانشقاقِ الظلمةِ عنه، ومعنى " فاصدَعْ ": فافرُقْ بين الحقِّ والباطلِ وافْصِلْ بينهما. وقال الراغب: " الصَّدْعُ شِقٌّ في الأجسامِ الصُّلْبة كالزُّجَاج والحديد، وصَدَّعْتُه بالتشديد فتصَدَّع، وصَدَعْتُه بالتخفيفِ فانْصَدَع، وصُداع الرأسِ منه لتوهُّمِ الانشقاقِ فيه، وصَدَعْتُ الفَلاةَ، أي: قطعتُها " مِنْ ذلك، كأنه تَوَهَّم تفريقَها.

و " ما " في " بما تُؤْمَر " مصدريةٌ أو بمعنى الذي، والأصلُ: تُؤْمَر به، وهذا الفعلُ يَطَّرِدُ حَذْفُ الجارِّ معه، فَحَذْفُ العائدِ فصيحٌ، وليس هو كقولك " جاء الذي مررت " ونحوُه:
2956- أَمَرْتُكَ الخيرَ فافعَلْ ما أُمِرْتَ به   ................................
والأصل: بالخير. وقال الزمخشري: " ويجوز أن تكونَ " ما " مصدريةً، أي: بأَمْرِك، مصدرٌ من المبني للمفعول ". انتهى. وهو كلامٌ صحيحٌ. ونَقَل الشيخُ عنه أنه قال: " ويجوز أن يكونَ المصدرُ يُراد به " أَنْ " والفعلِ المبنيِّ للمفعول ". ثم قال الشيخ: " والصحيحُ أنَّ ذلك لا يجوز ". قلت: الخلافُ إنما في المصدرِ المُصَرَّح به: هل يجوز أن يَنْحَلَّ لحرفٍ مصدريٍ وفعلٍ مبني للمفعول أم لا يجوزُ ذلك؟ خلافٌ مشهور، أمَّا أنَّ الحرفَ المصدريَّ هل يجوزُ فيه أن يُوْصَلَ بفعل مبني للمفعول نحو: " يُعجبني أن يُكْرَمَ عمرٌو " أم لا يجوز؟ فليس محلَّ النِّزاعِ.