الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

وقوله تعالى: { هَـٰذَا } إشارةٌ إلى ما تقدَّم مِن قوله:فَلاَ تَحْسَبَنَّ } [إبراهيم: 47] إلى هنا، أو إلى كلِّ القرآن نُزِّل مَنْزِلةَ الحاضر.

قوله: " وَلِيُنْذَروا " فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ، أي: وليُنْذِرُوا به أَنْزَلْنا عليك.

الثاني: أنه معطوفٌ على محذوفٍ، ذلك المحذوفُ متعلقٌ بـ " بلاغ " ، تقديره: ليُنْصَحوا ولِيُنْذَروا. الثالث: أن الواوَ مزيدةٌ و " لِيُنْذَروا " متعلقٌ بـ " بلاغ " ، وهو رأيُ الأخفش، نقله الماوردي. الرابع: أنه محمولٌ على المعنى، أي: ليُبَلَّغُوا ولِيُنْذَرُوا. الخامس: أن اللامَ لامُ الأمر. قال بعضُهم: وهو حسنٌ لولا قولُه " ولِيَذَّكَّر " فإنه منصوبٌ فقط. قلت: لا محذورَ في ذلك فإنَّ قولَه " ولِيَذَّكَّرَ " ليس معطوفاً على ما تقدَّمه، بل متعلِّقٌ بفعلٍ مقدر، أي: ولِيَذَّكَّر أَنْزَلْناه وأَوْحيناه. السادس: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ. التقدير: هذا بلاغٌ وهو ليذَّكَّر، قاله ابن عطية. السابع: أنه عطفُ مفردٍ على مفردٍ، أي: هذا بلاغٌ وإنذار، قاله المبرد، وهو تفسيرُ معنى لا إعرابٍ.

الثامن: أنه معطوفٌ على قولهلِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ } [إبراهيم: 1] في أولِ السورة. وهذا غريبٌ جداً. التاسع: قاله أبو البقاء: " المعنى: هذا بلاغٌ للناسِ وللإِنذار، فتعلَّق بالبلاغ أو بمحذوف إذا جَعَلْتَ " الناس " صفةً، ويجوز أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ تقديره: ولِيُنْذَروا به أُنْزِل وتُلِي ". قلت: فيؤدي التقدير إلى أَنْ يَبْقى التركيبُ: هذا بلاغٌ للإِنذار، والإِنذارُ لا يتأتَّى فيه ذلك.

وقرأ العامَّة: " لِيُنْذَرُوا " مبنياً للمفعول، وقرأ مجاهد وحميد بن قيس: " ولِتُنْذِرُوا " بتاءٍ مضمومة وكسرِ الذال، كأنَّ البلاغَ للعموم والإِنذار للمخاطبين.

وقرأ يحيى بن عُمارة الذارع عن أبيه، وأحمد بن يزيد بن أسيد السلمي. " ولِيُنْذَرُوا " بفتح الياء والذال مِنْ نَذَر بالشيء، أي: عَلِم به فاستعدَّ له، قالوا: ولم يُعرف له مصدرٌ فهو كَعَسَى وغيرِها من الأفعالِ التي لا مصادرَ لها.