قوله تعالى: { مُخْلِفَ وَعْدِهِ }: العامَّةُ على إضافة " مُخْلِف " إلى " وعدِه " وفيها وجهان، أظهرهما: أن " مُخْلف " يَتَعَدَّى لاثنين كفعلِه، فقدَّم المفعولَ الثاني، وأُضيف إليه اسمُ الفاعل تخفيفاً نحو: " هذا كاسِيْ جُبَّةٍ زيداً " قال الفراء وقطرب: " لمَّا تعدَّى/ إليهما جميعاً لم يُبَالَ بالتقديمِ والتأخير ". وقال الزمخشري: " فإن قلت: هلا قيل: مُخْلِفَ رسلِه وعدَه، ولِمَ قَدَّم المفعولَ الثاني على الأول؟ قلت: قَدَّمَ الوعدَ ليُعْلِمَ أنه لا يُخْلِفُ الوعدَ ثم قال " رسله " ليُؤْذِنَ أنه إذا لم يُخْلِفْ وعدَه أحداً - وليس من شأنِه إخلافُ المواعيد - كيف يُخْلِفُه رُسلَهُ ". وقال أبو البقاء: " هو قريب من قولهم:
2912- يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدارِ
وأنشد بعضُهم نظيرَ الآيةِ الكريمة قولَ الشاعر:
2913- ترى الثورَ فيها مُدخِلَ الظلِ رأسَهُ
وسائرُه بادٍ إلى الشمسِ أجمعُ
والحُسبان هنا: الأمر المنتفي، كقوله:
2914- فلا تَحسَبَنْ أني أَضِلُّ مَنِيَّتي
فكلُّ امرِئٍ كأسَ الحِمام يذوقُ
الثاني: أنه متعدٍّ لواحدٍ، وهو " وعدِه " ، وأمَّا " رُسُلَه " فمنصوبٌ بالمصدر، فإنه يَنْحَلُّ لحرفٍ مصدريٍّ وفعلٍ تقديرُه: مُخْلِفُ ما وعدَ رُسَلَه، فـ " ما " مصدريةٌ لا بمعنى الذي. وقرأت جماعةٌ { مُخْلِفَ وَعْدَ رُسَلَهُ } بنصبِ " وعدَه " وجرِّ " رسلِه " فَصْلاً بالمفعولِ بين المتضايفين، وهي كقراءةِ ابن عامرٍ { قَتْلُ أَوْلاَدَهمْ شُرَكَآئِهِمْ } قال الزمخشري جرأةً منه: " وهذه في الضَّعْفِ كمَنْ قرأ { قَتْلُ أَوْلاَدَهمْ شُرَكَآئِهِمْ }.