الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ }

قوله تعالى: { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ }: حالان من المضافِ المحذوفِ؛ إذ التقديرُ: أصحاب الأبصار، إذ يُقال: شَخَصَ زيدٌ بصرَه، أو تكون الأبصارُ دلَّتْ على أربابِها فجاءت الحالُ مِن المدلولِ عليه، قالهما أبو البقاء. وقيل: " مُهْطِعين " منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ، اي: يُبْصِرُهم مُهْطِعين. ويجوز في " مُقْنِعي " أن يكونَ حالاً من الضمير في " مُهْطِعين " فتكون حالاً متداخلةً. وإضافة " مُقْنعي " غيرُ حقيقيةٍ فلذلك وَقَعَتْ حالاً.

والإِهطاع: قيل: الإِسراعُ في المشي قال:
2903- إذا دعانا فأَهْطَعْنا لدَعْوَته   داعٍ سميعٌ فَلَفُّونا وساقُوْنا
وقال:
2904- وبمُهْطِعٍ سُرُحٍ كأن عِنَانَه   في [رأس] جَذْعٍ.......................
وقال أبو عبيدة: " قد يكون الإِسراعَ وإدامةَ النظر ". وقال الراغب: " هَطَع الرجلُ ببصره إذا صَوَّبه، وبعيرٌ مُهْطِعٌ إذا صَوَّب عُنُقَه ". وقال الأخفش: " هو الإِقبالُ على الإِصغاء " وأنشد:
2905- بِدِجْلَةَ دارُهُمْ ولقد أراهُمْ   بِدِجْلِةَ مُهْطِعِيْن إلى السَّماعِ
والمعنى: مُقْبِلِيْن برؤوسهم إلى سَماع الدَّاعي. وقالَ ثعلب: " أَهْطِع الرجلُ إذا نظر بِذُلٍّ وخُشُوعِ، لا يُقْلِعُ ببصره " ، وهذا موافِقٌ لقول أبي عبيدٍ فقد سُمِعَ فيه: أَهْطَعَ وهَطَعَ رباعياً وثلاثياً.

والإِقناع: رَفْعُ الرأسِ وإدامةُ النظر من غيرِ التفاتٍ إل غيرِه، قاله القتبيُّ وابنُ عرفة، ومنه قولُه يَصِفُ إبلاً ترعى أعالي الشجر فترفع رؤوسها:
2906- يُباكِرْن العِضَاهَ بمُقْنَعاتٍ   نواجِذُهُنَّ كالِحَدأ الوَقيع
ويقال: أَقْنَعَ رأسَه، أي: طَأْطَأها ونَكَّسها فهو من الأضداد، والقَناعَةُ: الاجتِزاءُ باليسير، ومعنى قَنِع بكذا: ارتفع رأسُه عن السؤال، وفَمٌ مُقَنَّع: مَعْطُوفُ الأسنان داخله ورجلٌ مُقَنَّعٌ بالتشديد. ويقال: قَنِعَ يَقْنَعُ قَناعةً وقَنَعاً إذا رَضِيَ، وقَنَعَ قُنُوعاً إذا سَأَل، فوقع الفرقُ بالمصدر.

وقال الراغب: " قال بعضُهم: " أصلُ هذه الكلمةِ مِن القِناع، وهو ما يُغَطَّي الرأسَ، والقانِعُ مَنْ [لا] يُلحُّ في السؤال فَيَرْضَى بما يأتيه كقوله:
2907- لَمالُ المَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْني   مَفاقِرَه أعفُّ مِنَ القُنُوعِ
ورجل مَقْنَعٌ يُقْنِعُ به. قال:
2908-..........................   شُهودِيْ على لَيْلَى عُدُولٌ مَقانِعُ
والرُّؤوس: جمع رَأْس وهو مؤنثٌ، ويُجْمَع في القلة على أَرْؤُس، وفي الكثرةِ على رُؤوس، والأَرْأَسُ: العظيم الرأسِ، ويُعَبَّر بها عن الرجل العظيم كالوجهِ، والرئيس مشتق مِنْ ذلك، ورِئاسُ السيفِ مَقْبَضُهُ، وشاةٌ رَأْساء اسْوَدَّت رأسُها.

قوله: { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ } في محلِّ نصب على الحال أيضاً من الضمير في " مُقْنِعِي ". ويجوز أن يكونَ بدلاً من " مُقْنِعي " كذا قال أبو البقاء، يعني أنه يَحُلُّ مَحَلَّه. ويجوز أن يكونَ استئنافاً.

والطَّرْفُ في الأصل مصدرٌ، وأُطْلِقَ على الفاعلِ لقولِهم: " ما فيهم عَيْنٌ تَطْرِفُ " ، [ولعلَّه] هنا العينُ. قال:
2909- وأَغُضُّ طَرْفي ما بَدَتْ لي جارَتي   حتى يُواري جارَتي مَأْواها
والطَّرْفُ: الجَفْنُ أيضاً، يقال: ما طَبَّق طَرْفَه - أي: جَفْنَه - على الآخر، والطَّرْفُ أيضاً تحريكُ الجَفْن.

السابقالتالي
2