الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }

قوله تعالى: { مِن ذُرِّيَّتِي }: يجوزُ أَنْ يكون المفعولُ محذوفاً، وهذا الجارُّ صفتُه، أي: أسكنْتُ ذريةً مِنْ ذريتي. ويجوز أن تكونَ " مِنْ " مزيدةً عند الأخفش.

قوله: " بوادٍ " ، أي: في وادٍ، نحو: هو بمكة.

قوله: { عِندَ بَيْتِكَ } يجوز أن يكونَ صفةً لـ " وادٍ ". وقال أبو البقاء: " ويجوز أن يكونَ بدلاً منه " ، يعني أنه يكونُ بدلَ بعضٍ مِنْ كُلّ، لأنَّ الواديَ أعمُّ مِنْ حضرةِ البيت. وفيه نظرٌ، من حيث إنَّ " عند " لا تتصرَّف.

قوله: " ليُقِيموا " يجوز أَنْ تكونَ هذه اللامُ لامَ أمرٍ، وأن تكونَ لامَ علَّة. وفي متعلقها حينئذٍ وجهان، أحدُهما: أنها متعلقةٌ بأَسْكنْتُ وهو ظاهرٌ، ويكون النداءُ معترضاً. الثاني: أنها متعلقةٌ باجْنُبْني، أي: اجْنُبْهم الأصْنامَ ليُقِيموا، وفيه بُعْدٌ.

قوله: { أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ } العامَّةُ على " أفْئِدة " جمع " فُؤاد " كغُراب وأَغْربة. وقرأ هشام عن ابن عامر بياءٍ بعد الهمزة، فقيل: إشباع، كقوله:
2895-........................   يُحِبَّك عَظْمٌ في الترابِ تَرِيْبُ
أي: تَرِب، وكقوله:
2896- أعوذُ باللهِ مِنَ العَقْرابِ   الشائلاتِ عُقدَ الأَذْنابِ
وقد طعن جماعةٌ على هذه القراءةِ وقالوا: الإِشباعُ من ضرائرِ الشعر فكيف يُجْعَلُ في أفصحِ كلامٍ؟ وزعم بعضُهم أنَّ هشاماً إنَّما قرأ بتسهيلِ الهمزةِ بين بين، فظنَّها الراوي زيادةَ ياءٍ بعد الهمزة، قال: " كما تُوُهِّم عن أبي عمروٍ واختلاسُه في " بارئكم " و " يَأْمُركم " أنه سَكَّن ". وهذا ليس بشيءٍ فإنَّ الرواةَ أجلُّ من هذا.

وقرأ زيدٌ بن عليّ " إفادة " بزنةِ " رِفادة " ، وفيها وجهان، أحدهما: أن يكونَ مصدراً لأِفاد كأَقام إقامةً، أي: ذوي إفادةٍ، وهم الناسُ الذين يُنْتَفَعُ بهم. والثاني: أن يكون أصلُها " وِفادة " فأُبْدِلَتِ الواوُ همزةً نحو: إشاح وإعاء.

وقرأت أمُّ الهيثم " أَفْوِدَة " بواوٍ مكسورة، وفيها وجهان، أحدُهما: أن يكونَ جمع " فُوَاد " المُسَهًّل: وذلك أنَّ الهمزةَ المفتوحةَ المضمومَ ما قبلها يَطَّرِد قَلْبُها واواً نحو: جُوَن، ففُعِل في " فُؤاد " المفرد ذلك، فأُقِرَّت في الجمع على حالها. والثاني: قال صاحب " اللوامح ": " هي جمعُ وَفْد ". قلت: فكان ينبغي أن يكونَ اللفظ " أَوْفِدة " بتقديم الواو، إلا أن يُقال: إنه جَمَعَ " وَفْداً " على " أَوْفِدَة " ثم قلَبه فوزنه أَعْفِلَة، كقولهم: آرام في أرْآم وبابِه، إلا أنه يَقِلُّ جمعُ فَعْل على أفْعِلة نحو: نَجْد وأَنْجدة، وَوَهْي وأَوْهِيَة. وأمُّ الهيثمِ امرأةٌ نُقِلَ عنها شيءٌ من اللغة.

وقُرِىء " آفِدَة " بزِنَةِ ضارِبة، وهي تحتمل وجهين، أحدُهما: أن تكونَ مقلوبةً مِنْ أَفئدة بتقديم الهمزة على الفاء فَقُلِبَتْ الهمزةُ ألفاً، فوزنها أَعْفِلة كآرام في أرْآم.

السابقالتالي
2