الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ }: قرأ أبو عبد الرحمن بسكونِ الراء وفيه وجهان، أحدُهما: أنه أَجْرَى الوصلَ مُجْرى الوقف. والثاني: أنَّ العربَ حَذَفَتْ لامَ الكلمة عند عدمِ الجازمِ فقالوا: " ولو تَرَ ما الصبيانُ " فلما دخل الجازمُ تخيَّلوا أن الراءَ محلُّ الجزم، ونظيرُه: لم أُبَلْ فإنَّ أصلَه أبالي، ثم حذفوا لامَه رفعاً فلمَّا جزموه لم يَعْتَدُّوا بلامِه، وتوهَّموا الجزم في اللام.

والرؤية هنا قلبيةٌ فـ " أنَّ " في محلِّ المفعولَيْن أو أحدهما على الخلاف. وقرأ الأخَوان هنا { خالقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } " خالق " اسمُ فاعلٍ مضافاً لِما بعده، فلذلك خفضوا ما عُطِفَ عليه وهو الأرض. وفي النور:خَالقُ كُلِّ دَآبَّةٍ } [الآية: 45] اسمُ فاعل مضافاً لما بعده. والباقون " خَلَقَ " فعلاً ماضياً، ولذلك نصبوا " الأرضَ " و { كُلِّ دَآبَّةٍ } ، فكسرُه " السماواتِ " في قراءة الأخوين خفضٌ، وفي قراءةِ غيرِهما نصبٌ./ ولو قيل بأنه في قراءة الأخوين يجوزُ نَصْبُ " الأرضَّ " على أحدِ وجهين: إمَّا على المحلِّ، وإمَّا على حَذْفِ التنوين لالتقاء الساكنين، فتكون " السماواتِ " منصوبةً لفظاً وموضعاً، لم يمتنعْ، ولكن لم يُقْرأْ به.

و " بالحقِّ: متعلِّقٌ بـ " خلق " على أن الباءَ سببيةٌ، وبمحذوفٍ على أنها حاليةٌ: إمّا من الفاعلِ، أي: مُحِقَّاً، وإمَّا من المفعول، أي: ملتبسةً بالحق.