الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ }

قوله تعالى: { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }: فيه أوجه، أحدُها: - وهو مذهبُ سيبويه - أنه مبتدأٌ محذوفُ الخبرِ تقديرُه: فيما يُتْلَى عليكم مَثَلُ الذين كفروا، وتكون الجملة من قوله { أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ } مستأنفةً جواباً لسؤال مقدر، كأنه قيل: كيف مَثَلُهم؟ فقيل: كيت وكيت. والمَثَلُ استعارةٌ للصفةِ التي فيها غرابةٌ كقولِكََ، صفةُ زيدٍ، عِرْضُه مَصُونٌ، ومالُه مبذول.

الثاني: أن يكونَ " مَثَلَ " مبتدأً، و " أعمالُهم " مبتدأ ثانٍ، و " كرمادٍ " خبرُ الثاني، والثاني وخبره خبرُ الأول. قال ابن عطية: " وهذا عندي أرجحُ الأقوالِ، وكأنك قلت: المتحصِّلُ في النفس مثالاً للذين كفروا هذه الجملةُ المذكورةُ ". وإليه نحا الحوفي. قال الشيخ: " وهو لا يجوزُ لأنَّ الجملةَ التي وقعت خبراً للمبتدأ لا رابطَ فيها يربُطها بالمبتدأ، وليست نفسَ المبتدأ فَتَسْتَغْني عن رابطٍ ". قلت: بل الجملةُ نفسُ المبتدأ، فإنَّ نفسَ مَثَلِهم هو نفسُ أعمالِهم كرمادٍ في أنَّ كلاًّ منها لا يفيد شيئاً، ولا يَبْقَى له أثرٌ، فهو نظيرُ قولك / " هَجِّيْرى أبي لا إله إلا اللهُ ".

الثالث: أنَّ " مَثَلَ " مزيدةٌ، قاله الكسائيُّ والفراء: أي: الذين كفروا أعمالُهم كرَمادٍ، فالذين مبتدأ " أعمالُهم " مبتدأٌ ثانٍ و " كرمادٍ " خبرُه. وزيادة الأسماءِ ممنوعةٌ.

الرابع: أن يكونَ " مَثَلَ " مبتدأً، و " أعمالُهم " بدلٌ منه، على تقدير: مَثَلُ أعمالِهم، و " كرمادٍ " الخبرُ. قاله الزمخشريُّ:، وعلى هذا فهو بدلُ كلٍ مِنْ كلٍ، على حَذْفِ المضافِ كما تقدَّم.

الخامس: أن يكونَ " مَثَل " مبتدأً، و " أعمالُهم " بدلٌ منه بدلُ اشتمالٍ، و " كرمادٍ " الخبر، كقول الزَّبَّاء:
2874- ما للجِمال مَشْيِها وئيدا   أجَنْدَلاً يَحْمِلْن أم حديدا
والسادس: أن يكونَ " مَثَل " مبتدأً، و " أعمالُهم " خبرَه، أي: مَثَلُ أعمالِهم، فحذف المضاف. و " كرماد " على هذا خبرُ مبتدأ محذوفٍ، وقال أبو البقاء حين ذكر وجهَ البدل: " ولو كان القرآن لجاز إبدالُ " أعمالهم " من " الذين " وهو بدلُ اشتمال " ، يعني أنه كان يُقْرَأُ " أعمالِهم " مجرورةً، لكنه لم يُقرأْ به.

و " الرمادُ " معروفٌ " وهو ما سَحَقَتْه النارُ من الأَجْرام، وجمعُه في الكثرة على رُمُد، وفي القلَّة على أرْمِدَة كجَماد وجُمُد وأَجْمِدَة، وجمعُه على " أَرْمِدَاء " شاذٌّ. والرِّماد: السَّنَةُ أيضاً، السَّنةُ: المَحْل، أَرْمَدَ الماءُ، أي: صار بلون الرماد، والأَرْمَدُ: ما كان على لونِ الرَّماد. وقيل للبعوض " رُمْد " لذلك، ويقال: رَمادٌ رِمْدِدٌ، صار هباءً.

قوله: { ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ } في محلِّ جرٍّ صفةً لرماد، و " في يوم " متعلِّقٌ بـ " اشْتَدَّت ".

السابقالتالي
2