الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ }

و { لَنُخْرِجَنَّـكُمْ }: جوابُ قسمٍ مقدَّرٍ، كقوله: " ولَنَصْبِرَنَّ ".

قوله: { أَوْ لَتَعُودُنَّ } في " أوْ " ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها على بابِها مِنْ كونِها لأحدِ الشيئين. والثاني: أنها بمعنى " حتى ". والثالث: أنها بمعنى " إلا " ، كقولهم: " لأَلْزَمَنَّكَ أو تَقْضِيَني حقي ". والقولان الأخيران مَرْدُودان؛ إذ لا يَصِحُّ تركيبُ " حتى " ولا تركيبُ " إلا " مع قولِه " لَتَعُودُونَّ " بخلافِ المثال المتقدم.

والعَوْدُ هنا: يُحتمل أن يكونَ على بابِه، أي: لَتَرْجِعُنَّ. و { فِي مِلَّتِنَا } متعلقٌ به، وأن يكونَ بمعنى الصيرورةِ، فيكونَ الجارُّ في محلِّ نصبٍ خبراً لها، ولم يذكُرْ الزمخشريُّ غيرَه. [قال:] " فإنْ قلتَ: كأنَّهم على مِلَّتهم حتى يَعُودوا فيها. قلت: مَعاذَ اللهِ، ولكنَّ العَوْدَ بمعنى الصيرورة، وهو كثيرٌ في كلام العرب كثرةً فاشيةً، لا تكاد تسمعهم يستعملون " صار " ، ولكن " عاد ": ما عُدْتُ أراه، عاد لا يكلمني، ما عاد لفلان مالٌ، أو خاطبوا به كلَّ رسولٍ ومَنْ آمن به، فَغَلَّبوا في الخطاب الجماعةَ على الواحد ". فقوله " أو خاطبوا " إلى آخره هو الوجهُ الأولُ بالتأويلِ المذكورِ، وهون تأويلٌ حسنٌ.

قوله: { لَنُهْلِكَنَّ } جوابُ قسمٍ مضمر، وذلك القسمُ وجوابُه فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه على إضمارِ القول، أي: قال: لَنُهْلِكَنَّ. والثاني: أنه أجرى الإِيحاءَ مُجْرى القول لأه ضَرْبٌ منه.

وقرأ أبو حَيْوَةَ " لَيُهْلِكَنَّ " ، و " لَيُسْكِنَنَّكم " بياءِ الغَيْبة مناسَبَةً لقوله " ربُّهم ".