الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً }: جوابُها محذوفٌ، أي: لكان هذا القرآنُ، لأنه في غاية ما يكونُ من الصحة. وقيل: تقديرُه: لما آمنوا. ونُقِل عن الفراء أنَّ جوابَ " لو " هي الجملة مِنْ قولِه { وَهُمْ يَكْفُرُونَ } ففي الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ، وما بينهما اعتراضٌ. وهذا في الحقيقة دالٌّ على الجوابِ. وإنما حُذِفَت التاءُ في قوله " وكُلِّم به المَوْتى " وثَبَتَتْ في الفعلَيْن قبله لأنه من باب التغليب؛ لأنَّ " المَوْتى " يشمل المذكرَ والمؤنث.

قوله: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ } أصلُ اليَأْسِ: قَطْعُ الطمعِ عن الشيء والقُنوطُ فيه. واختلف الناسُ فيه ههنا: فقال بعضهم: هو هنا على بابه، والمعنى: أفلم يَيْئَسِ الذين آمنوا من إيمانِ الكفَّار من قريش، وذلك أنَّهم لَمَّا سألوا هذه الآياتِ طَمِعوا في إيمانِهم وطلبوا نزولَ هذه الايات ليؤمِنَ الكفار، وعَلِمَ اللهُ أنهم لا يؤمنون فقال: أفلم يَيْئَسوا من إيمانهم، قاله الكسائي. وقال الفراء: " أَوْقَعَ الله للمؤمنين أنْ لو يشاء اللهُ لهدى الناسَ جميعاً فقال: أفلم يَيْئسوا عِلْماً، يقول: أَيْئَسهم العِلْم مضمراً، كما تقول في الكلام: يَئِست منك أن لا تفلح، كأنه قال: عَلِمه علماً " ، قال: فيَئِسَتْ بمعنى عَلِمَت، وإنْ لم يكنْ قد سمع، فإنه يتوجَّه إلى ذلك بالتأويل ".

وقال ابن عطية: " ويحتمل أن يكونَ " اليأسُ " في هذه الآية على بابه، وذلك: أنه لمَّا أبْعَدَ إيمانَهم في قوله: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً } على التأويلين في المحذوفِ المقدَّر قال في هذه: أفلم يَيْئَسِ المؤمنون من إيمانِ هؤلاءِ عِلْماً منهم أن لو يشاء اللهُ لهدَى الناسَ جميعاً ".

وقال الزمخشري: " ويجوز أن يتعلَّقَ { أَن لَّوْ يَشَآءُ } بآمَنوا على: أولم يَقْنَطْ عن إيمانِ هؤلاءِ الكَفَرَةِ الذين آمنوا بأن لو يشاءُ اللهُ لهدى الناسَ جميعاً ولهداهم " وهذا قد سبقه إليه أبو العباس.

وقال الشيخ: " ويُحْتَمَلُ عندي وجهٌ آخرُ غيرُ الذي/ ذكروه: وهو أنَّ الكلامَ تامٌّ عند قوله: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } وهو تقريرٌ، أي: قد يَئِس المؤمنون من إيمان المعاندين، و { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ } جوابُ قَسَمٍ محذوفٍ، أي: وأُقْسِمُ لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً، ويدلُّ على هذا القَسَمِ وجودُ " أنْ " مع " لو " ، كقولِ الشاعر:
2857- أَمَا واللهِ انْ لو كنتَ حُرَّاً   وما بالحُرِّ أنت ولا القَمينِ
وقول الآخر:
2858- فأُقسمُ أنْ لَوِ التقينا وأنتُمُ   لكان لكم يومٌ من الشرِّ مظلِمُ
وقد ذكر سيبويه أنَّ " أنْ " تأتي بعد القَسَم، وجعلها ابنُ عصفور رابطةً للقَسَم بالجملة المُقْسَمِ عليها.

وقال بعضُهم: " بل هو هنا بمعنى عَلِمَ وتَبَيَّن. قال القاسم بن معن وهو من ثقاتِ الكوفيين: " هي لغة هوازن ".

السابقالتالي
2