قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً }: جوابُها محذوفٌ، أي: لكان هذا القرآنُ، لأنه في غاية ما يكونُ من الصحة. وقيل: تقديرُه: لما آمنوا. ونُقِل عن الفراء أنَّ جوابَ " لو " هي الجملة مِنْ قولِه { وَهُمْ يَكْفُرُونَ } ففي الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ، وما بينهما اعتراضٌ. وهذا في الحقيقة دالٌّ على الجوابِ. وإنما حُذِفَت التاءُ في قوله " وكُلِّم به المَوْتى " وثَبَتَتْ في الفعلَيْن قبله لأنه من باب التغليب؛ لأنَّ " المَوْتى " يشمل المذكرَ والمؤنث. قوله: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ } أصلُ اليَأْسِ: قَطْعُ الطمعِ عن الشيء والقُنوطُ فيه. واختلف الناسُ فيه ههنا: فقال بعضهم: هو هنا على بابه، والمعنى: أفلم يَيْئَسِ الذين آمنوا من إيمانِ الكفَّار من قريش، وذلك أنَّهم لَمَّا سألوا هذه الآياتِ طَمِعوا في إيمانِهم وطلبوا نزولَ هذه الايات ليؤمِنَ الكفار، وعَلِمَ اللهُ أنهم لا يؤمنون فقال: أفلم يَيْئَسوا من إيمانهم، قاله الكسائي. وقال الفراء: " أَوْقَعَ الله للمؤمنين أنْ لو يشاء اللهُ لهدى الناسَ جميعاً فقال: أفلم يَيْئسوا عِلْماً، يقول: أَيْئَسهم العِلْم مضمراً، كما تقول في الكلام: يَئِست منك أن لا تفلح، كأنه قال: عَلِمه علماً " ، قال: فيَئِسَتْ بمعنى عَلِمَت، وإنْ لم يكنْ قد سمع، فإنه يتوجَّه إلى ذلك بالتأويل ". وقال ابن عطية: " ويحتمل أن يكونَ " اليأسُ " في هذه الآية على بابه، وذلك: أنه لمَّا أبْعَدَ إيمانَهم في قوله: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً } على التأويلين في المحذوفِ المقدَّر قال في هذه: أفلم يَيْئَسِ المؤمنون من إيمانِ هؤلاءِ عِلْماً منهم أن لو يشاء اللهُ لهدَى الناسَ جميعاً ". وقال الزمخشري: " ويجوز أن يتعلَّقَ { أَن لَّوْ يَشَآءُ } بآمَنوا على: أولم يَقْنَطْ عن إيمانِ هؤلاءِ الكَفَرَةِ الذين آمنوا بأن لو يشاءُ اللهُ لهدى الناسَ جميعاً ولهداهم " وهذا قد سبقه إليه أبو العباس. وقال الشيخ: " ويُحْتَمَلُ عندي وجهٌ آخرُ غيرُ الذي/ ذكروه: وهو أنَّ الكلامَ تامٌّ عند قوله: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } وهو تقريرٌ، أي: قد يَئِس المؤمنون من إيمان المعاندين، و { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ } جوابُ قَسَمٍ محذوفٍ، أي: وأُقْسِمُ لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً، ويدلُّ على هذا القَسَمِ وجودُ " أنْ " مع " لو " ، كقولِ الشاعر:
2857- أَمَا واللهِ انْ لو كنتَ حُرَّاً
وما بالحُرِّ أنت ولا القَمينِ
وقول الآخر:
2858- فأُقسمُ أنْ لَوِ التقينا وأنتُمُ
لكان لكم يومٌ من الشرِّ مظلِمُ
وقد ذكر سيبويه أنَّ " أنْ " تأتي بعد القَسَم، وجعلها ابنُ عصفور رابطةً للقَسَم بالجملة المُقْسَمِ عليها. وقال بعضُهم: " بل هو هنا بمعنى عَلِمَ وتَبَيَّن. قال القاسم بن معن وهو من ثقاتِ الكوفيين: " هي لغة هوازن ".