الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ }: فيه أوجه: أن يكونَ بدلاً من " القلوبُ " على حَذْفِ مضاف، أي: قلوب الذين آمنوا، وأن يكونَ بدلاً مِن " مَنْ أناب " ، وهذا على قولِ مَنْ لم يجعلِ الموصولَ الأول بدلاً مِن " مَنْ أناب " ، وإلا كان يَتَوالَى بدلان. وأن يكونَ مبتدأً، و " طُوْبَى لهم " جملةٌ خبرية، وأن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمر. وأن يكونَ منصوباً بإضمارِ فعلٍ. والجملةُ مِنْ " طُوبَى لهم " على هذين الوجهين حالٌ مقدَّرة، العاملُ فيها " آمَنُوا وعَمِلوا ".

وواوُ " طُوبَى " منقلبةٌ عن ياءٍ لأنها من الطِّيب، وإنما قُلِبَتْ لأجلِ الضمة قبلها كمُوسِر ومُوْقِن من اليُسْر واليقين. واختلفوا فيها: فقيل: هي اسمٌ مفردٌ مصدر كبُشْرى ورُجْعى، مِنْ طاب يطيب. وقيل: بل هي جمعُ " طَيِّبة " كما قالوا: كُوْسَى في جمع كَيِّسَة، وضُوْقَى في جمع ضَيِّقة. ويجوز أن يقال: " طِيْبى " بكسر الفاء وكذلك الكِيْسَى والضِيقَى. وهل هي اسمٌ لشجرةٍ بعينِها أو اسمٌ للجنة بلغةِ الهند أو الحبشة؟ خلافٌ مشهور.

وجاز الابتداءُ بـ " طُوبَى ": إمَّا لأنها عَلَمٌ لشيءٍ بعينه، وإمَّا لأنها نكرةٌ في معنى الدعاء كسَلام عليك ووَيْل له، كذا قال سيبويه. وقال ابن مالك: " إنه يُلزم رَفْعُها بالابتداء، ولا تدخُلُ عليها نواسِخُه ". وهذا يَرُدُّ عليه: أنَّ بعضَهم جعلها في الآيةِ منصوبةً بإضمارِ فِعْلٍ، أي: وجَعَلَ لهم طُوْبَى، وقد يَتَأَيَّد ذلك بقراءةِ عيسى الثقفي " وحُسْنَ مآب " بنصب النون. قال: " إنه معطوفٌ على " طُوْبَى " ، وإنها في موضع نَصْبٍ ". قال ثعلب: " وطُوْبَى على هذا مصدرٌ كما قالوا: سُقْياً ". وخَرَّج هذه القراءةَ صاحبُ " اللوامح " على النداء كـيَٰأَسَفَىٰ } [يوسف: 84] على الفَوْت، يعني أنَّ " طُوْبَى " تضاف للضمير، واللام/ مقحمةٌ، كقوله:
2845-.....................   يا بُؤْسَ للجهلِ ضَرَّاراً لأقوامِ
و [قوله]:
2855- يا بُوسَ للحَرْبِ التي   وَضَعَتْ أراهِطَ فاستراحوا
ولذلك سقط التنوينُ مِنْ " بؤس " كأنه قيل: يا طِيْباهم، أي: ما أَطيبَهم وأحسنَ مآبَهم. قال الزمخشري: " ومعنى طُوْبَى لك: أَصَبْتَ خيراً وطِيباً، ومحلُّها النصبُ أو الرفع كقولك: طِيباً لك وطِيبٌ لك، وسلاماً لك، وسلامٌ لك، والقراءةُ في قوله: " وحُسن مآب " بالنصب والرفع تدلُّك على مَحَلَّيْها، واللامُ في " لهم " للبيان، مثلها في " سَقْياً لك ". فهذا يدلُّ على أنها تتصرَّفُ ولا تلزم الرفعَ بالابتداء.

وقرأ مَكْوَزَةُ الأعرابي " طِيْبَى " بكسرِ الطاء لِتَسْلَمَ الياءُ نحو: بِيْض ومَعِيْشة.

وقُرِئ " وحُسْنَ مآبٌ " بفتح النون ورفع " مآب " على أنه فعلٌ ماضٍ، أصلُه " حَسُن " فَنُقِلَت ضمةُ العينِ إلى الفاءِ قَصْداً للمدح، كقولهم:
2856-.......................   ............. حُسْنَ ذا أَدَبا
و " مَآبٌُ " فاعلُه.