الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { تِلْكَ آيَاتُ }: يجوز في " تلك " أن تكونَ مبتدأً والخبرُ { آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } ، والمشارُ إليه آياتُ السورة. والمرادُ بالكتابِ السورةُ. وقيل: إشارةٌ إلى ما قَصَّ عليه مِنْ أنباء الرسل.

وهذه الجملةُ لا محلَّ لها إن قيل: إنَّ " المر " كلامٌ مستقلٌ، أو قُصِد به مُجَرَّدُ التنبيهِ، وفي محلِّ رفعٍ على الخبرِ إنْ قيل: إنَّ " المر " مبتدأٌ، ويجوز أن تكونَ " تلك " خبراً لـ " المر " ، و { آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } بدلٌ أو بيانٌ. وقد تقدَّم تقريرُ هذا بإيضاحٍ أولَ الكتاب، وأَعَدْتُه....

قوله: { وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ } يجوز فيه أوجهٌ، أحدُها: أن يكونَ مبتدأً، و " الحقُّ " خبرُه. الثاني: أن يكون مبتدأً، و { مِن رَّبِّكَ } خبرُه، وعلى هذا فـ " الحقُّ " خبرُ مبتدأ مضمر، أي: هو الحق. الثالث: أنَّ " الحقُّ " خبرٌ بعد خبر. الرابع: أن يكونَ { مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ } كلاهما خبرٌ واحدٌ. قاله أبو البقاءُ والحوفيُّ. [وفيه بُعْدٌ]؛ إذ ليس هو مثلَ " هذا حلوٌ حامِضٌ ".

الخامس: أن يكون " الذي " صفةً لـ " الكتاب ". قاله أبو البقاء: " وأُدْخِلَت الواوُ [في لفظه، كما أُدْخِلت] في " النازِلين " و " الطيبين ". قلت: يعني أن الواوَ تكونُ داخلةً على الوصف. وفي المسألة كلامٌ يحتاج إلى تحقيقٍ، والزمخشريُّ [يُجيز مثلَ ذلك، ويجعلُ أنَّ] في ذلك تأكيداً، وسيأتي هذا أيضاً إن شاء اللهُ تعالى في الحجر، في قولهمِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } [الحجر: 4]. وقوله: " في النازلين " و " الطيبين " يشير إلى بيت الخِرْنِقِ بنت هَفَّان في قولها حين مَدَحَتْ قومَها:
2838- لا يَبْعَدَنْ قوميْ الذين هُمُ   سُمُّ العُداةِ وآفَةُ الجُزْرِ
النازِلينَ بكلِّ مُعْتَرَكٍ   والطيِّبين مَعاقِدَ الأُزْرِ
فعطَفَ " الطيبين " على " النازِلين " ، وهما صفتان لقومٍ معينين، إلاَّ أنَّ الفرقَ بين الآيةِ والبيتِ واضحٌ: من حيث إن البيتَ فيه عطفُ صفةٍ على مثلِها، والآيةُ ليست كذلك.

وقال الشيخ شيئاً يقتضي أن تكونَ ممَّا عُطِفَ فيها وَصْفٌ على مثلِه فقال: " وأجاز الحوفي أيضاً أن يكونَ " والذي " في موضعِ رفعٍ عطفاً على " آيات " ، وأجاز هو وابنُ عطية أن يكونَ " والذي " في موضعِ خفضٍ، وعلى هذين الإِعرابين يكون " الحقُّ " خبرَ مبتدأ محذوفٍ، أي: هو الحق، ويكون " والذي " ممَّا عُطِفَ فيه الوصفُ على الوصفُ وهما لشيءٍ واحد، كما تقول " جاءني الظريفُ والعاقلُ " وأنت تريد شخصاً واحداً، ومن ذلك قولُ الشاعر:
2839- إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمامِ   وليثِ الكَتِيبةِ في المُزْدَحَمْ
قلت: وأين الوصفُ المعطوفُ عليه حتى يجعلَه مثلَ البيتِ الذي أنشده؟

السادس: أن يكونَ " الذي " مرفوعاً نسقاً على " آيات " كما تقدَّمَتْ حكايتُه عن الحوفي. وجَوَّز الحوفيُّ أيضاً أن يكونَ " الحقُّ " نعتاً لـ " الذي " حالَ عطفِه على { آيَاتُ ٱلْكِتَابِ }.

وتَلَخَّص في " الحقِّ " خمسةُ أوجه، أحدها: أنه خبرٌ أولُ أو ثانٍ أو هو مع ما قبله، أو خبرٌ لمبتدأ مضمر، أو صفةٌ لـ " الذي " إذا جَعَلْناه معطوفاً على " آيات ".