الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ }

قوله تعالى: { تَفْتَؤُاْ }: هذا جوابُ القسم في قوله: " تاللَّهِ " وهو على حذفِ " لا " ، أي: لا تَفْتَأ، ويدلُّ على حَذْفها أنه لو كان مثبتاً لاقترن بلامِ الابتداء ونون التوكيد معاً عند البصريين، أو إحداهما عند الكوفيين وتقول: " واللَّهِ أحبُّك " تريد: لا أحبك، وهو من التورية فإن كثيراً من الناسِ مبادِرٌ ذهنَه إلى إثبات المحبة. و " تَفْتأ " هنا ناقصة بمعنى لا تزال فترفع الاسمِ وهو الضمير، وتنصِبُ الخبر وهو الجملة من قوله " تَذْكُرُ " ، أي: لا تزال ذاكراً له، يقال: ما فتىء زيدٌ ذاهباً. قال أوس بن حجر:
2818 ـ فما فَتِئَتْ حتى كأنَّ غبارَها   سُرادِق يومٍ ذي رياحٍ تُرَفَّعُ
وقال أيضاً:
2819 ـ فما فَتِئَتْ خيلٌ تَثُوْبُ وتَدَّعي   ويَلْحَقُ منها لاحِقٌ وتُقَطَّعُ
وعن مجاهد: " لا تَفْتُر " ، قال الزمخشري: " كأنه جعل الفُتوء والفُتور أخوين ".

وفيها لغتان: فَتَأَ على وزن ضَرَب، وأَفْتَأَ على وزن أكرم، وتكون تامةً بمعنى سَكَّن وأطفأ كذا قاله ابن مالك، وزعم الشيخ أنه تصحيف منه، وإنما هي هي " فَثَأ " بالثاء المثلثة. ورُسِمَتْ هذه اللفظةُ " تفتؤ " / بالواو والقياس " تفتأ " بالألف، ولذلك يُوْقَفُ لحمزة بالوجهين اعتباراً بالخط الكريم أو القياس.

قوله: { حَرَضاً } الحَرَضُ: الإِشفاء على الموت يُقال منه: حَرَضَ الرجلُ يَحْرُض حَرَضاً بفتح الراء، فهو حَرِض بكسرها، فالحَرَضُ مصدر، فيجيء في الآية الأوجهُ في " رجل عَدْل " وقد تقدَّم مراراً، ويُطْلَق المصدر من هذه المادة على الجُثَث إطلاقاً شائعاً، ولذلك يَسْتوي فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث تقول: هو حَرَضٌ، وهما حَرَض، وهم حَرَض، وهنَّ حَرَض، وهي حَرَض، ويقال: رجل حُرُض بضمتين نحو: جُنُب وشُلُل ويقال: أَحْرضه كذا، أي: أهلكه. قال الشاعر:
2820 ـ إني امرؤٌ لَجَّ بيْ حُبٌّ فَأَحْرَضَني   حتى بَلِيْتُ وحتى شَفَّني السَّقَمُ
فهو مُحْرَض قال:
2821 ـ أرىٰ المَرْءَ كالأذْوادِ يُصبح مُحْرَضاً   كإحراض بِكْرٍ في الديار مريضِ
وقرأ بعضهم: " حَرِضاً " بكسر الراء. قال الزمخشري: " وجاءَتِ القراءةُ بهما جميعاً ". يعني بفتح الراء وكَسْرِها " وقرأ الحسن بضمتين، وقد تقدم أنه كجُنُب وشُلُل، وزاد الزمخشري " وغُرُب " قال الراغب: " الحَرَض: ما لا يُعْتَدُّ به ولا خيرَ فيه، ولذلك يقال لِما أشرف علىٰ الهلاك حَرِض، قال تعالىٰ: { حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً } وقد أحرضه كذا، قال الشاعر: " أني امرؤ لجَّ " البيت. والحُرْضَةُ: مَنْ لا يأكل إلا لحمَ المَيْسِر لنذالتِه، والتحريض: الحَثُّ على الشيء بكثرةِ التنزيين وتسهيل الخَطْبِ فيه كأنه إزالةُ الحَرَضِ نحو: " قَدَّيْتُه " ، أي: أَزَلْتُ عنه القَذَىٰ، وأَحْرَضْتُه: أَفْسَدْتُه نحو: أَفْذَيْتُه، أي: جَعَلْتَ فيه القذىٰ " انتهىٰ.

والحُرُض: الأُشْنان لإِزالته الفسادَ، والمِحْرَضَةُ وعاؤُه، وشُذوذُها كشذوذ مُنْخُل ومُسْعُط ومُكْحُلَة.