الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ }: أربعةُ أوجه، أحدها: أن يكونَ " جزاؤه " مبتدأً والضميرُ للسارق، و " مَنْ " شرطية أو موصولةٌ مبتدأٌ ثانٍ، والفاءُ جوابُ الشرط أو مزيدةٌ في خبر الموصول لشبهه بالشرط، و " مَنْ " وما في حَيِّزها على وَجْهَيْها خبر المبتدأ الأول، قاله ابن عطية، وهو مردودٌ بعدم رابطٍ بين المبتدأ وبين الجملةِ الواقعةِ خبراً عنه، هكذا رَدَّه الشيخُ عليه. وليس بظاهر؛ لأنه يُجاب عنه بأنَّ هذه المسألةَ من باب إقامة الظاهرِ مُقامَ المضمرِ، وَيَتَّضِحُ هذا بتقرير الزمخشري قال رحمه اللَّه: " ويجوز أن يكونَ " جزاؤه " مبتدأً، والجملةُ الشرطية كما هي خبره، على إقامة الظاهر فيها مُقَامَ المضمر. والأصل: جزاؤه مَنْ وُجِدَ في رحله فهو هو، فوضع الجزاء موضِعَ " هو " كما تقول لصاحبك: مَنْ أخو زيد؟ فيقول لك: " أخوه مَنْ يقعد إلى جنبه، فهو هو " يرجع الضمير الأول إلى " مَنْ " والثاني [إلى] الأخ، ثم تقول: فهو أخوه، مقيماً للمظهر مقام المضمر ".

والشيخ جعل هذا الذي حكيته عن الزمخشري وجهاً ثانياً بعد الأول ولم يَعْتقدْ أنه هو بعينه، ولا أنَّه جوابٌ عَمَّا رَدَّ به على ابن عطية. ثم قال: " ووَضْعُ الظاهرِ موضعَ المضمر للربط إنما هو فصيح في مواضع التفخيم والتأويل، وغير فصيحٍ فيما سوى ذلك نحو: زيدٌ قام زيد، ويُنَزَّه عنه القرآنُ، قال سيبويه: " لو قلت: " كان زيدٌ منطلقاً زيد " لم يكن حَدَّ الكلام، وكان ههنا ضعيفاً ولم يكنْ كقولِك: ما زيدٌ منطلقاً هو لأنك قد اسْتَغْنَيْتَ عن إظهاره، وإنما ينبغي لك أن تُضْمِرَه ". قلت: ومذهب الأخفش أنه جائزٌ مطلقاً وعليه بَنَىٰ الزمخشري.

وقد جَوَّز أبو البقاء ما تَوَهَّم أنه جواب عن ذلك فقال: " والوجه الثالث: أن يكونَ " جزاؤه " مبتدأً، و " مَنْ وُجد " مبتدأ ثان، و " فهو " مبتدأٌ ثالث، و " جزاؤه " خبر الثالث، والعائد على المبتدأ الأول الهاء الأخيرة، وعلى الثاني " هو " انتهىٰ. وهذا الذي ذكره أبو البقاء لا يَصِحُّ، إذ يصير التقديرُ: فالذي وُجِدَ في رَحْله جزاء الجزاء؛ لأنه جَعَل " هو " عبارةً عن المبتدأ الثاني، وهو { مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ } ، وجعل الهاءَ الأخيرةَ وهي التي في " جزاؤه " الأخير عائدةً على " جزاؤه " الأولِ، وصار التقديرُ كما ذكَرْتُه لك.

الوجه الثاني من الأوجه المتقدمة: أن يكون " جزاؤه " مبتدأً، والهاءُ تعود على المسروق، و { مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ } خبره، و " مَنْ " بمعنىٰ الذي، والتقدير: جزاء الصُّواع الذي وُجد في رَحْله، كذلك كانت شريعتُهم: يُسْتَرَقُّ السارق، فلذلك اسْـتُفْتوا في جزائه.

السابقالتالي
2