الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ }: في جواب " لمَّا " هذه ثلاثة أوجه، أحدها: ـ وهو الظاهر ـ أنه الجملةُ المنفية من قوله: { مَّا كَانَ يُغْنِي }. وفيه حجةٌ لمَنْ يَدَّعي كونَ " لمَّا " حرفاً لا ظرفاً، إذ لو كانت ظرفاً لعمل فيها جوابُها، إذ لا يَصْلح للعملِ سواه، لكن ما بعد " ما " النافية لا يَعْمل فيما قبلها، لا يجوز: " حين قام أخوك ما قام أبوك " ، مع جواز " لمَّا قام أخوك ما قام أبوك ".

والثاني: أنَّ جوابَها محذوفٌ، فقدَّره أبو البقاء: " امتثلوا وقَضَوا حاجةَ أبيهم " ، وإليه نحَا ابن عطية أيضاً، وهو تَعَسُّفٌ لأنَّ في الكلامِ ما هو جوابٌ صريحٌ كما قَدَّمْتُه.

والثالث: أنَّ الجوابَ هو قولُه: " آوىٰ " قال أبو البقاء: " وهو جوابُ " لمَّا " الأولى والثانية كقولك: " لمَّا جِئْتني، ولمَّا كَلَّمْتك أَجَبْتَني " ، وحَسَّن ذلك أنَّ دخولَهم على يوسف عليه السلام يَعْقُبُ دخولهم من الأبواب " يعني أنَّ " آوىٰ " جوابُ الأولى والثانية، وهو واضح.

قوله: { إِلاَّ حَاجَةً } فيه وجهان، أحدهما: أنه استثناءٌ منقطع تقديرُه: ولكنَّ حاجةً في نفس يعقوب قضاها، ولم يذكر الزمخشري غيره. والثاني: أنه مفعولٌ مِنْ أجله، ولم يذكر أبو البقاء غيره، ويكون التقدير: ما كان يُغْني عنهم لشي من الأشياء إلا لأجلِ حاجةٍ كانت في نفس يعقوب. وفاعل " يُغْني " ضميرُ التفرقِ المدلولِ عليه من الكلام المتقدم. وفيما أجازه أبو البقاء نظرٌ من حيث المعنىٰ لا يَخْفَى على متأمِّله. و " قضاها " صفةٌ لـ " حاجةً ".