قوله تعالى: { إِلاَّ مَا رَحِمَ }: فيه أوجه، أحدُها: أنه مستثنىٰ من الضمير المستكنِّ في " أمَّارَةٌ " كأنه قيل: إن النفس لأمَّارة بالسوءِ إلا نَفْساً رحمها ربِّي، فيكون أراد بالنفس الجنسَ، فلذلك ساغ الاستثناء منها كقولِه تعالى:{ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [العصر: 2-3]، وإلى هذا نحا الزمخشري فإنه قال: " إلا البعضَ الذي رحمه ربي بالعِصْمة كالملائكة " وفيه نظرٌ مِنْ حيث إيقاعُ " ما " على مَنْ يَعْقِلُ والمشهورُ خِلافُه. والثاني: أنَّ " ما " في معنى الزمان فيكون مستثنى من الزمن العام المقدَّر. والمعنى: إنَّ النفس لأمَّارَةٌ بالسوء في كلِّ وقتٍ وأوانٍ إلا وقتَ رحمةِ ربي إياها بالعِصْمة. ونظرَّه أبو البقاء بقوله تعالى:{ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } [النساء: 92]. وقد تقدَّم أن الجمهورَ لا يُجيزون أن تكون " أنْ " واقعةً موقعَ ظرفِ الزمان. والثالث: أنه مستثنىٰ من مفعول " أمَّارة " ، أي: لأمَّارةٌ صاحبَها بالسوءِ إلا الذي رَحِمه اللَّه. وفيه إيقاعُ " ما " على العاقل. والرابع: أنه استثناءٌ منقطعٌ. قال ابن عطية: " وهو قولُ الجمهور ". وقال الزمخشري: " ويجوز أن يكونَ استثناءً منقطعاً، أي: ولكنْ رحمةُ ربي هي التي تَصْرِف الإِساءةَ كقوله:{ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا } [يس: 23].