الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ }

قوله تعالى: { أَضْغَاثُ }: " أَضْغاث " خبر مبتدأ مضمر، أي: هي أضغاث، يَعْنُون ما قَصَصْته علينا، والجملةُ منصوبةٌ بالقول. والأضغاث جمع " ضِغْث " بكسر الضاد، وهو ما جُمِع من النبات سواء كان جنساً واحداً أو أجناساً مختلطة وهو أصغرُ مِن الحُزْمة وأكبر من القَبْضة، فمِنْ مجيئه من جنسٍ واحد قولُه تعالىٰ:وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } [ص: 44] رُوِي في التفسير أنه أخذ عِثْكالاً مِنْ نخلة. وفي الحديث: " أنه أُتي بمريض وَجَبَ عليه حَدٌّ ففُعِل به ذلك ". وقال ابن مقبل:
2797 ـ خَوْدٌ كأن فِراشَها وُضِعَتْ به   أضغاثُ رَيْحانٍ غَداةَ شَمَالٍ
/ ومِنْ مجيئه مِنْ أخلاط النبات قولهم في أمثالهم: " ضِغْثٌ على إبَّالة " ، وقد خَصَّصه الزمخشري بما جُمِع مِنْ أخلاط النبات، فقال: " وأصلُ الأَضْغاث ما جُمِع مِنْ أخلاط النبات، وحِزَم الواحِد ضِغْثٌ ". وقال الراغب: " الضِّغْث قَبْضَةُ رَيْحانٍ أو حَشيش أو قُضْبان ". قلت: وقد تقدَّم أنه أكثرُ من القَبْضة، واستعمالُ الأَضْغاث هنا من باب الاستعارة. والإِضافة في " أَضْغاث أحلام " إضافةٌ بمعنى " مِنْ " إذ التقديرُ: أضغاثٌ من أحلام.

والأَحْلام جمع حُلُم. والباء في " بتأويل " متعلقةٌ بـ " عالمين " ، وفي " بعالمين " لا تعلُّقَ لها لأنها زائدةٌ: إمَّا في خبرِ الحجازيَّة أو التميمية.

وقولهم ذلك يُحتمل أن يكونَ نفياً للعلم بالرؤيا مطلقاً، وأن يكونَ نفياً للعلم بتأويل الأضغاث منها خاصةً دونَ المنام الصحيح. وقال أبو البقاء: " بتأويل أضغاث الأحلام لا بد من ذلك [لأنهم لم يَدَّعوا الجهلَ بعبارة الرؤيا " انتهىٰ. وقوله " الأحلام " وإنما كان واحداً، قال الزمخشري كما تقول: " فلان يركب الخيل ويلبس عَمائم الخَزِّ، لمَنْ لا يركب إلا فرساً واحداً ولا يتعمَّم إلا بعمامة واحدة] تَزَيُّداً في الوصف " ، ويجوز أن يكونَ قَصَّ عليهم مع هذه الرؤيا غيرها.