الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ }

قوله تعالى: { رَبِّ ٱلسِّجْنُ }: العامَّة على كسر الباء لأنه مضافٌ لياء المتكلم، اجتُزِىءَ عنها بالكسرةِ وهي الفصحى. و " السجن " بكسر السين ورفعِ النون على أنه مبتدأ، والخبر " أحبُّ ". والسِّجْن الحبس، والمعنىٰ: دخول السجن.

وقرأ بعضهم: " رَبُّ " بضمِّ الباء وجَرِّ النون على أنَّ " ربُّ " مبتدأ و " السجنِ " خفض بالإِضافة، و " أحبُّ " خبرُه، والمعنى: ملاقاةُ صاحبِ السجن ومقاساتُه أحبُّ إليّ.

وقرأ عثمان ومولاه طارق وزيد بن علي والزهري وابن أبي إسحاق وابن هرمز ويعقوب بفتح السين، وفي الباقي كالعامَّة. والسَّجْن مصدر، أي: الحَبْس أحبُّ إلي، و " إليَّ " متعلقٌ بـ " أحبُّ " وقد تقدَّم أن الفاعل هنا يُجَرُّ بـ " إلى " والمفعول باللام،/ وفي الحقيقة ليست هنا أَفْعَل على بابها من التفضيل لأنه لم يُحبَّ ما يدعونه إليه قط، وإنما هذان شَرَّان فآثر أحدَ الشَّرين على الآخر.

قوله: { أَصْبُ } قرأ العامة بتخفيف الباء مِنْ صَبا يَصْبو أي: رَقَّ شَوْقُه. والصَّبْوة: المَيْلُ إلى الهوىٰ، ومنه " الصَّبا " لأنَّ النفوس تَصْبو إليها أي: تميل، لطيب نسميِها ورَوْحِها يقال: صَبَا يَصْبُو صَباءً وصُبُوَّاً، وصَبِيَ يُصْبَىٰ صَبَاً، والصِّبا بالكسر اللَّهْوُ واللعب.

وقرأت فرقة " أَصَبُّ " بتشديدها مِنْ صَبْبتُ صَبابة فأنا صَبٌّ، والصَّبابَةُ: رِقَّةُ الشوق وإفراطه كأنه لفرط حبه ينصبُّ فيما يَهْواه كما ينصبُّ الماء.